الطبيب الروسي الذي أنقذ العالم من أوبئة قاتلة

يصنّف الطبيب وعالم الباكتريولوجيا الروسي فلاديمير خافكين (Vladimir Khavkin)، المولود يوم 15 آذار/مارس 1860، والمعروف عالميا باسم فالديمار هافكين (Waldemar Haffkine) كواحد من أهم الأطباء الذين خدموا البشرية.

خلال مسيرة خافكين الحافلة، تمكّن هذا الرجل من وضع تلاقيح قضت على أمراض أزهقت عشرات ملايين الأرواح على مدار قرون.

صورة للقيصر الروسي ألكسندر الثاني
ومنذ البداية، اتجه فالديمار هافكين لمجابهة الكوليرا، فأثناء فترة عمله بمعهد باستور بباريس عاشت كل من أوروبا وآسيا على وقع موجة الطاعون الخامسة التي تسببت ما بين عامي 1877 و1890 في وفاة مليون شخص بالهند فقط.

في خضم فترة عصيبة من تاريخ البشرية يئس خلالها الجميع من إمكانية العثور على لقاح ضد الكوليرا واتجهوا بدلا من ذلك للتركيز على إجراءات النظافة للوقاية منها، ظهر الطبيب والباحث الروسي فالديمار هافكين ليبهر الجميع سنة 1892 ويعرّض حياته للخطر من أجل البشرية، حيث جرّب الأخير لقاحا ضد الكوليرا على نفسه واعتمد خلال التجربة على نوع مخفف من البكتيريا المسببة للكوليرا طوّره بنفسه بمخبره ليتأكد من مدى فاعلية اللقاح.

صورة لجثث عدد من الصينيين الذين فارقوا الحياة بسبب الطاعون مطلع القرن العشرين
وعلى الرغم من ذلك، شكك العديد من كبار علماء تلك الفترة من أمثال عالم البكتيريا الألماني روبرت كوخ في حقيقة أبحاث هافكين، لهذا السبب احتاج الأخير لتجربة لقاحه ضد الكوليرا على مجموعة أكبر من البشر ليثبت للعالم قدرة لقاحه على تخليص الإنسانية من وباء أنهكها على مدار قرون عديدة.

صورة لعالم البكتيريا الألماني روبرت كوخ
بالتزامن مع ذلك، أبدت الحكومة البريطانية اهتمامها بما توصل إليه فالديمار هافكين لمعالجة المأساة التي كانت تعيش على وقعها مستعمرتها بالهند فوافقت على إرسال الطبيب والباحث الروسي هنالك لتجربة تلقيحه وإنهاء معاناة الهنود.

في الأثناء، أنتجت أعداد كبيرة من لقاح الكوليرا، وأشرف فالديمار هافكين شخصيا على تطعيم ما يزيد عن 40 ألف هندي، وبفضل ذلك تراجعت نسبة الوفيات بسبب الكوليرا خلال الأشهر التالية للعشر.

وإضافة لنجاحه في وضع حد للكوليرا، لعب الطبيب هافكين دورا بارزا في مواجهة وباء الطاعون، ففي عام 1896، عاشت بومباي بالهند على وقع تفشي وباء الطاعون الدبلي الذي حلّ بالمنطقة ليتسبب في وفاة عدد هائل من السكان.

ومرة أخرى، لجأت السلطات البريطانية لفالديمار هافكين طالبة منه المساعدة لمعالجة هذه الأزمة.

وعلى الرغم من تخلي العديد من مساعديه عنه خشية إصابتهم بهذا المرض، واصل هافكين العمل بمختبره وتمكن خلال 3 أشهر فقط من ابتكار لقاح ضد الطاعون جرّبه على نفسه للتأكد من مدى فاعليته.

وبحسب تقارير تلك الفترة، لم يقدم اللقاح الذي جاء به هافكين المناعة الكافية لمواجهة الطاعون، لكنه ساهم في المقابل في تراجع إمكانية الإصابة بهذا الوباء للنصف. وبفضل هذا الإنجاز، صنّف كثيرون لقاح هافكين كأول لقاح فاعل ضد الطاعون بالتاريخ.

صورة للطبيب وعالم الباكتيريولوجيا الروسي فالديمار هافكين
وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات العلمية التي خلّصت البشرية من أوبئة فتّاكة، عرف فالديمار هافكين حياة صعبة. فأثناء فترة دراسته بإحدى جامعات أوديسا، تعرض الأخير للاضطهاد من قبل السلطات الروسية التي فرضت قوانين أجبرت من خلالها اليهود على اعتناق المسيحية الأرثوذكسية لمواصلة تعليمهم وهو الإجراء الذي رفضه هافكين.

فضلا عن ذلك، ضيّقت الشرطة الروسية الخناق على يهود روسيا عقب حادثة اغتيال القيصر ألكسندر الثاني سنة 1881 ليجبر بذلك هذا الطبيب والباحث على الهجرة نحو أوروبا الغربية بداية من سنة 1888.

طابع بريدي هندي يحمل صورة العالم الروسي هافكين
وبينما بقي اسم فالديمار هافكين مجهولا بموطنه روسيا لعقود، كسب الأخير شهرة كبيرة بكل من بريطانيا والهند، ونال العديد من المكافآت.

خلال العقود التالية، أنقذ لقاح فالديمار هافكين عشرات ملايين الأرواح البشرية من الطاعون، فإلى حدود عام 1909 خضع نحو 8 ملايين شخص لهذا التطعيم، وبحلول عام 1940 بلغ هذا العدد قرابة 40 مليون نسمة.

المصدر: تونس – طه عبد الناصر رمضان