مراسلون 24
عاد بارون المخدرات، الفرنسي من أصل جزائري، سفيان حمبلي الى دائرة الأضواء مجددا بعد اعتقاله، من طرف عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة طنجة أواخر أكتوبر المنصرم، بناء على مذكرات بحث صادرة في حقه على الصعيدين الوطني والدولي، حيث يوجد حاليا رهن الاعتقال الاحتياطي بالمركب السجني “العرجات ” ضواحي الرباط، في قضية جنائية أخذت أبعادًا إقليمية ودولية، بعدما استطاع أن يخترق الأمن الفرنسي ويجنّده في عمليات التهريب الدولي للمخدرات، وإغراق أوروبا بأطنان من مخدر “الحشيش”!.
وصفت الصحافة الفرنسية قبل سنة ونيف من الآن المسمى سفيان حمبلي بـ”أخطر” بارون مخدرات بعد اعتقاله شهر نونبر 2020، بمدينة “بوردو” من طرف السلطات الفرنسية عقب تلقيه 2.5 مليون يورو نظير تنظيم النقل اللوجيستي لاستيراد أربعة أطنان من الحشيش، قبل أن يتم اطلاق سراحه فيما بعد.
قصة المواطن الفرنسي من أصول جزائرية سفيان حمبلي البالغ من العمر46 عاما، المعروف إعلاميا بلقب Le logisticien أوLa chimère، تصلح لأن تكون حكاية درامية، مفعمة بالشغف والإثارة، وذلك لسجله الإجرامي الحافل بالإدانات الثقيلة بسبب الإتجار الدولي في المخدرات وكونها أيضا ستبقى شاهدة على شبهة تورط الأمن والقضاء الفرنسيين في أكبر فضيحة أخلاقية ومالية في فرنسا خلال العصر الحديث.
ورد اسم سفيان حمبلي، كشخصية رئيسية في عالم التهريب الدولي للمخدرات في فرنسا، بحكم أنه كان تحت إمرة وخدمة الرئيس السابق للمكتب الوطني لمكافحة المخدرات في فرنسا فرانسوا تيري، والذي اعتمد، بحسب تحقيقات السلطات الفرنسية، على شبكات سفيان حمبلي لتنفيذ عمليات ضد شبكات أخرى مختصة في تهريب المخدرات، في تقويض صارخ لأحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة، خصوصا الشق المتعلق بتقنيات وأساليب البحث الخاصة، وتحديدا التسليم المراقب للمخدرات والعمليات المستترة أو ما يعرف بالاختراق! فقد تم تحويل هذه الآليات والميكانيزمات الدولية التي وُجدت لمكافحة وزجر تهريب المخدرات إلى وسائل “رسمية” تستعملها الشرطة الفرنسية لإمداد أوروبا بثلث استهلاكها من المخدرات المستخرجة من نبتة “الكيف”، برعاية أمنية من أكبر جهاز في فرنسا لمكافحة المخدرات الذي يرأسه أشهر رئيس وحدة مختصة في تفكيك شبكة تهريب الحشيش في فرنسا.
كما استطاع سفيان حمبلي، وفق مصادر متطابقة، أن يورط جهاز القضاء الفرنسي في مستنقع التلاعب بالجهود الدولية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، بعدما جعل هذا القضاء يعطي التراخيص القانونية لإخراجه من السجن، للقيام بعمليات اختراق وتنفيذ عمليات التسليم المراقب للمخدرات بطرق احتيالية ومدفوعة بخلفية إجرامية، فالقضاء الفرنسي كان يسمح بإخراج السجين سفيان حمبلي إلى فندق بمحيط مقر المديرية المركزية للشرطة القضائية بباريس، من أجل السهر على تنفيذ عمليات للتهريب الدولي للمخدرات، واقتراف العديد من صور الجريمة المنظمة!! وهذه المرة بمباركة القضاء حسب اعترافات هذا الأخير، كما أفادت مصادر إعلامية مطلعة على مجريات القضية، وحسب اعترافاته دائما فقد كان يستغل هذه “الاستراحة القانونية” للتحريض على ارتكاب جنايات القتل العمد والاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمطالبة بفدية مالية، في إطار تصفية الحسابات بين شبكات وكارتيلات الاتجار غير المشروع بالمخدرات على الصعيد الدولي.
وبدأت “مسيرة” سفيان حمبلي منذ وقت طويل، في حي Bourtzwiller ، التابع لمنطقة Mulhouse حيث رأى النور سنة 1975 من والدين ينحدران من أصول جزائرية، وظهرت على سفيان علامات النبوغ في الدراسة مبكرا، مثلما اعترت مساره نزوعات مبكرة للجنوح والارتماء في أتون المخدرات؛ فقد امتهن ترويج المخدرات وهو في الثامنة عشرة، أي في السنة نفسها التي حصل فيها على الباكالوريا، وكان يستعد فيها للالتحاق بمدرسة Paul Appell بمدينة ستراسبورغ في الشمال الشرقي لفرنسا.
لكن الطموح الجارف لسفيان حمبلي سوف يدفعه إلى مغادرة مدينة ستراسبورغ التي كان يتابع فيها دراسته العليا في مجال التجارة والتسيير، بحثا عن فضاء أرحب وأفق يغري بحياة مفعمة بالبذخ والثراء السريع. وكانت الوجهة الأولى لسفيان في رحلة عالم التجارة غير المشروعة للمخدرات سنة 1995، وبالضبط نحو مدينة خيرونا على الحدود الإسبانية الفرنسية.
هناك التقى Le logisticien بمروجين ينحدرون من جنسيات مختلفة، فرنسية وإسبانية وبرتغالية ومغربية، واستطاع أن يقنعهم بالاضطلاع بدور “المناولة” في ترويج كميات متفاوتة الحجم من المخدرات في عمق أوروبا! وبالفعل، استطاع سفيان حمبلي بفضل جسارته أن يقتحم عالم الشبكات الإسبانية لتهريب المخدرات، التي شرعت في تزويده بشحنات تناهز خمسين كيلوغراما من “الحشيش” كل أسبوع، مقابل مبلغ مالي يناهز 1250 أورو للكيلوغرام الواحد؛ وكان يعمد إلى تصريف هذه الشحنات في فرنسا بقيمة مضاعفة أربع مرات تقريبا، أي بمبلغ 4500 أورو، وبستة أضعاف الثمن في سويسرا التي كان يهرب لها المخدرات عن طريق مهربين يستعملون الدراجات الهوائية لنقل كميات متفرقة وصغيرة عبر الحدود البرية المشتركة مع فرنسا.
وواصل سفيان مساره الإجرامي ليشمل ألمانيا التي كانت تشكل وقتها سوقا مغريا لتجارة المخدرات، ما جعله يخلق شبكة علاقات مشعبة في عدة دول أوروبية، ويحصل بالتالي على عائدات مالية مهمة من التجارة غير المشروعة في المخدرات والمؤثرات العقلية.
لكن مسار سفيان لم يكن مفروشا بالورود، مثله مثل جميع بارونات المخدرات في مختلف دول العالم، إذ ورد اسمه في سجلات أبحاث الدرك الفرنسي في عام 1997، حينما تم تفكيك شبكة لتهريب وترويج المخدرات في منطقة “الألزاس”، غير أن سفيان حمبلي فر هاربا الى اسبانيا، حيث عثر على ملاذ آمن في جنوب البلاد، اتخذها بوابة لتهريب المخدرات في أوروبا، ففي صيف نفس العام، وهو مازال لم يتجاوز 23 سنة من عمره، استطاع سفيان حمبلي أن يمتلك أول ملهى ليلي بالكوستا ديل سول، سيتحول بعد مدة قصيرة من افتتاحه إلى حديقة خلفية لأنشطة مافيا المخدرات، حيث كانت عمليات التهريب الدولي للمخدرات تمتزج في كثير من الأحيان مع موسيقى الفلامينغو الصاخبة، ومع الغمام الكثيف المتطاير من ألياف السيجار الكوبي، وقهقهات الفتيات المنحدرات من أوروبا الشرقية.
وحسب مصادر قريبة من التحقيق مع Le logisticien فقد اعترف لضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بأن فترة امتلاكه لملهى ليلي بمدينة ماربيا ما بين سنتي 1997 و2000 كانت مرحلة فاصلة ومفصلية في مساره الإجرامي؛ فقد استطاع أن يحول نشاطه من وسيط في تهريب المخدرات إلى بارون ينشط في عدة دول أوروبية، كما تجاوز خلال هذه الفترة عتبة تهريب شحنات المخدرات التي تقاس بالكيلوغرامات إلى عمليات تهريب تقاس بالأطنان على سبيل اعترافاته.
وكأي بارون مخدرات في العالم ينتهي دائما وراء القضبان فقد أوقف الأمن الإسباني سفيان حمبلي في يوليوز من سنة 2000، رفقة العشرات من الأشخاص من جنسيات مختلفة، ليتم تقديمه أمام المحكمة الوطنية باسبانيا التي قضت بإيداعه السجن لقضاء عقوبة سالبة للحرية مدتها 19 شهرا، قبل أن يتم ترحيله بعد ذلك نحو فرنسا، وبالضبط في مستهل سنة 2003.
رحلة سفيان حمبلي في السجون الفرنسية سوف تكون أكثر تشويقا من نظيرتها بإسبانيا، إذ سيكون وقتها سفيان حمبلي، بلغ مرحلة “النضج” الإجرامي، ما سيجعله يتلاعب بالأمن والقضاء الفرنسيين، ويدفعهما إلى الانغماس أكثر في وحل تجارة المخدرات، مفجرا بذلك أكبر فضيحة في تاريخ الشرطة الفرنسية.
ويبقى المثير للانتباه في المسار الإجرامي لسفيان حمبلي أنه كان يستفيد من “عطل” متفرقة خلال فترات اعتقاله بالسجون الفرنسية! وهذه العطل لا يقرها قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، وإنما يأمر بها القضاء بطلب من عناصر المكتب المركزي لمكافحة المخدرات بفرنسا، المعروف اختصارا بتسمية OCRTIS، وتحديدا من صديقه العميد الإقليمي فرانسوا تيري، وذلك من أجل إتاحة الفرصة لـحمبلي من أجل ترويج “الحركة” وإغراق القارة العجوز بأطنان من مخدر “الحشيش”.
والغريب أيضا في كل الاعتقالات التي تعرض لها le logisticien أنه كان يخرج دائما قبل إتمام مدة محكوميته، إما بسبب الإفراج المؤقت بشروط كما حدث سنة 2018، أو بسبب الهروب من المستشفى كما وقع سنة 2005، أو بداعي الاستفادة من العفو الجمهوري بتزكية من المصالح الأمنية الفرنسية التي كان يتعاون معها كما حصل سنة 2014.
وهنا وجب العودة إلى منتصف 2009، سيسقط سفيان حمبلي في عملية لمكافحة المخدرات قادتها الشرطة الإسبانية ضد شبكات تهريب الحشيش، حيث أدين بـ18 عامًا سجنا، غير أن زيارة ستغير مصيره بعد لقائه بفرانسوا تيري، الرجل الثاني حينها في فرنسا المسؤول عن مكافحة المخدرات والذي سيشغل فيما بعد منصب رئيس مكتب مكافحة المخدرات في فرنسا. ومقابل تقليص في عقوبته السجنية، سيعرض فرانسوا تيري على سفيان حمبلي، أن يصبح مخبره الرئيسي في عالم المخدرات.
طيلة ست سنوات، سيعتمد فرانسوا تيري على شبكات سفيان حمبلي، لإجراء عمليات تسليم المخدرات، حيث أكسبته هذه الخدمات الجيدة والمؤدى عنها، تخفيض عقوبته من 18 إلى 5 سنوات في السجن. في سنة 2015، ستضبط الجمارك الفرنسية، ثلاث شاحنات مليئة بـ7 أطنان من الحشيش عند سفح شقة سفيان حمبلي.
راهن فرانسوا تيري عليه “كمخبر” مكلف بالإطاحة والإيقاع بشبكات التهريب الدولي للمخدرات، غير أن الوقائع والتقارير المتطابقة أشارت إلى أن سفيان حمبلي أصبح أكبر مستورد للمخدرات في فرنسا وأوربا تحت رعاية أمنية فرنسية، وهو ما مكن الشرطة الفرنسية من تنفيذ عمليات حجز كبيرة بفضل “حنكة” سفيان حمبلي الذي سوف يتحول، بالموازاة مع مهمته كمخبر، إلى”Logisticien” يعمل على تهريب شحنات كبيرة من المخدرات لفائدته الشخصية.
علاقاته المتشعبة واشتغاله كمخبر لدى أكبر جهاز في أوربا لمكافحة تهريب المخدرات وتورطه في عمليات تهريب كبيرة للمخدرات على الصعيد الدولي جعلت من سفيان الحمبلي، أحد أكبر بارونات المخدرات في تاريخ فرنسا، والذي يقبع حاليا بسجن العرجات بمدينة الرباط، فيما الأبحاث، والتحريات لازالت متواصلة من طرف عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة لكشف جميع ارتباطات سفيان حمبلي المتشعبة وامتدادات أنشطته الإجرامية .