أعلنت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة أنها تسهر على المشاركة الفعلية لعدد من أفراد الجالية المغربية في الاحتفالات المنظمة بمناسبة الذكرى العشرين لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، إذ سيشارك هذه السنة أكثر من 120 مغربية ومغربيا مقيمين بـ64 بلد استقبال في مختلف القارات.
وعلى هامش الاحتفالات الرسمية، وضعت الوزارة برنامجًا خاصا بهذه الذكرى، يتضمن تنظيم لقاء تواصلي مع المشاركين، يترأسه الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة يوم الإثنين القادم، وسيتم من خلاله عرض موضوعين تؤطرهما شخصيات مرموقة يتمحوران حول: ”النموذج المغربي، رمز التسامح والحوار بين الأديان و”الوحدة الترابية للمملكة”.
وأشارت الوزارة، في مذكرة تأطيرية حول اللقاء، إلى أن “الشعب المغربي يحتفي، يوم 30 يوليو الجاري، بالذكرى العشرين للعرش، ويشكل هذا الحدث العزيز على نفوس المغاربة قاطبة، سواء داخل أوخارج ربوع المملكة، فرصة لتجديد التلاحم القوي القائم بين رعايا الملك والعرش العلوي المجيد، ولإبراز متانة الأواصر التي تربطهما، كما يعد مناسبة لتسليط الضوء على أبرز الإنجازات التي تم تحقيقها، واستشراف التحديات المستقبلية”.
وأضافت الوزارة أن المملكة المغربية شهدت، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، سلسلة من المشاريع الكبرى والإنجازات المهمة؛ فمنذ توليه العرش سنة 1999 قام بمجموعة من الإصلاحات في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، هادفة إلى بناء مغرب معاصر مع الحفاظ على هويته ووحدته الترابية والمجتمعية.
وعلى مدى عقدين من الزمن، تضيف الورقة التأطيرية، أطلق الملك مجموعة من المشاريع البناءة، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه، وهي المشاريع التي شكلت رافعة مهمة في كل إقلاع تنموي حقيقي للبلاد. ويأتي تعديل دستور المملكة لسنة 2011 على رأس هذه الإصلاحات، حيث تم تعزيز الترسانة المؤسساتية بإحداث عدد من المؤسسات العاملة في مجال حماية وصيانة حقوق الإنسان، وإحداث نظام سياسي ديمقراطي تعددي، ينبني على مبادئ القرب والمشاركة والمساواة بين الجنسين.
وفي هذا الإطار يعتبر استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية أحد أهم مكتسبات العشرينية الأخيرة. ولتكريس مبدأ فصل السلطات في أسمى صوره، وإرساء سلطة قضائية قوية، تم تعزيز استقلالية مؤسسة النيابة العامة وإعادة تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يضم اليوم بين مكوناته شخصيات مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز، في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون.
وتجسيدا لمبدأ القرب والمشاركة، وإيمانا من الملك محمد السادس بأن الأسرة المغربية، القائمة على المسؤولية المشتركة والتنشئة السليمة للأطفال، تعد لبنة جوهرية في بناء مغرب منفتح على روح العصر ومتطلبات التطور والتقدم، كلف لجنة ملكية استشارية متعددة المشارب ومتنوعة التخصصات بإجراء مراجعة جوهرية لقانون الأحوال الشخصية، توجت أعمالها بإصدار مدونة الأسرة سنة 2004.
وجاء ضمن الورقة ذاتها أن الجالس على العرش حرص على مواكبة تطبيق المدونة وتقييم نجاعتها، وهو ما أكدته الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الندوة الخامسة للمؤتمرالإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالأطفال الذي نظمته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية بالرباط يومي 20 و21 فبراير 2018، إذ جاء فيها: “كما عملنا على تعزيز تماسك الأسرة، من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة، تراعي المصلحة الفضلى للطفل وتصون حقوقه، في كل الظروف والأحوال، داعين إلى مواكبتها بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة”.
وتماشيا مع هذا التوجه، أطلق الملك بتاريخ 18 ماي 2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الهادفة بالأساس إلى تحقيق تنمية بشرية واجتماعية مستدامة، ضامنة لقيم الكرامة والتماسك والعدالة الاجتماعية. وساهم هذا الورش المجتمعي المفتوح في تغيير المعيش اليومي للمغاربة المتواجدين في وضعية هشاشة، من خلال تسهيل ولوجهم إلى البنيات التحتية الاجتماعية الأساسية، وتيسير اندماجهم السوسيو-اقتصادي.
وبنفس المنظور، حظي المجال الديني بدوره بعناية مولوية خاصة، إذ أطلقت المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، باعتباره أميرا للمؤمنين، مخططا لإعادة تأهيل الشأن الديني، ينبني على الوسطية والاعتدال، ومناهضة كل أشكال التطرف، وتثمين مختلف المقومات والروافد؛ وذلك من خلال تنفيذ عدة برامج همت بالخصوص تكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين، وتعزيز دور المساجد في المجتمع، والرفع من حسن تدبيرها، وتوحيد الفتاوى والاجتهادات الفقهية في هذا المجال. وقد نالت هذه المبادرة الشاملة ومتعددة الأبعاد تقدير واعتراف العديد من الدول، كما أكد على ذلك البابا فرانسيس خلال زيارته التاريخية إلى المملكة يومي 30 و31 مارس 2019.
أما على مستوى التدبير الترابي للمملكة فقد اختار الملك محمد السادس منذ السنوات الأولى من اعتلائه العرش خيار الجهوية المتقدمة كنموذج تنموي اقتصادي للمملكة، وكآلية لتجديد بنيات وهياكل الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لباقي المجالات الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع؛ وهو ما أكده الخطاب الملكي السامي بتاريخ 3 يناير 2010، بمناسبة إحداث اللجنة الاستشارية للجهوية.. “ومن هذا المنظور فإن الجهوية الموسعة المنشودة ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة”، مقتطف من الخطاب الملكي السامي.
أما في ما يخص المشاريع الاقتصادية الكبرى المهيكلة، فقد تميزت عشرينية حكم الملك محمد السادس بإنجاز عدة مشاريع استثمارية، همت قطاع الموانئ (ميناء طنجة المتوسط)، والعديد من الأقطاب الصناعية (كمحطة نور لإنتاج الطاقة الشمسية). كما انخرط المغرب بقوة في تفعيل الإرادة السامية الرامية إلى إحداث بنيات تحتية، كشبكة الطرق السيارة، وخطوط السكك الحديدية (القطار الفائق السرعة-البراق)، والتي جعلت من المغرب مركزا اقتصاديا عالميا، قادرا على تعزيز تنافسيته وجذب استثمارات ضخمة.
وعلى المستوى الدولي، تضيف الوزارة، أسفرت الزيارات التي قادها الملك محمد السادس نحو العديد من البلدان الإفريقية عن توقيع مجموعة من الاتفاقيات والشراكات، وتنفيذ عدد من المشاريع، شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية. وأسهمت هذه المبادرة الملكية المتبصرة التي وضعت القارة الإفريقية في صلب اهتماماتها في تعزيز علاقات المغرب مع العديد من الدول الإفريقية، وتوسيع حضوره الاقتصادي في هذه القارة، وتنزيل تصوره لتعاون جنوب-جنوب؛ كما توجت بعودة المغرب إلى بيته الإفريقي واستعادة مكانته المتميزة ودوره الرائد داخل الاتحاد الإفريقي.
وعلى رأس الأوراش التي بوأت المملكة، تـحت القيادة الرشيدة للملك، مكانة متميزة دوليا وجهويا، اعتمادها سياسة وطنية في مجال الهجرة واللجوء، إنسانية في فلسفتها، شمولية في مضمونها، ومسؤولة في منهجيتها؛ وتندرج هذه المبادرة الإنسانية في إطار العناية الخاصة التي توليها لملف حقوق الإنسان وكونيتها، والاهتمام بالمهاجرين وتقوية علاقات التعاون، وترسيخ مبادئ العيش المشترك، تماشيا مع مقومات التاريخ المشترك.
وتأتي هذه السياسة أيضا في إطار تعزيز وتقوية ارتباط وانتماء المغرب إلى هذه القارة من جهة، وتأكيد انشغاله بمستقبلها وازدهارها من جهة أخرى؛ كما تجد أسسها في التحولات العميقة التي عرفها البلد، الذي انتقل من بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار العديد من المهاجرين، وهو ما أكده الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2016 في الذكرى 63 لثورة الملك والشعب.. “إن المغرب… يعتز بما يقوم به في مجال استقبال وإدماج المهاجرين ولن يتراجع عن هذا النهج العملي والإنسانيّ”، مقتطف من الخطاب الملكي السامي.
وورد ضمن الورقة التأطيرية أنه بفضل النظرة الملكية الإنسانية تجاه إفريقيا، التي وضعت التنمية البشرية والتنوع الثقافي والعيش المشترك في صلب اهتماماتها، تمكنت المملكة المغربية من تحمل جزء من مسؤولياتها في تدبير هجرة مسؤولة ومنتظمة، وذلك من خلال إطلاق حملتين استثنائيتين لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية بالمغرب؛ كما بادرت إلى تأهيل الإطار القانوني الخاص بالهجرة واللجوء والاتجار بالبشر، وملاءمة التشريعات الوطنية مع التزاماتها الدولية، فضلا عن تحيين الإطارات المرجعية ذات الصلة، لاسيما المتعلقة بتسهيل ولوج المهاجرين إلى الخدمات العمومية، كالتعليم والتربية والصحة والتكوين المهني والشغل والسكن…
وتتويجا للانخراط القوي والفريد للمملكة في مجال تدبير الهجرة، حظيت بتقدير وإشادة من المنتظم الدولي، أهَّلها لتولي، إلى جانب ألمانيا، الرئاسة المشتركة للنسخة الحادية عشرة للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية المنظم سنتي 2017-2018. وفي السياق نفسه، استضافت مراكش يوم 10 دجنبر 2018 الميثاق الذي تم اعتماده لأول مرة في التاريخ بهدف وضع إطار لهجرات آمنة ومنتظمة.
وقالت الوزارة إنه “علاوة على كل هذه الإنجازات التنموية الرائدة، فإن قوة المملكة المغربية تكمن أساسًا في الميثاق التاريخي المستمر الذي يربط الملك بالشعب؛ وفي هذا الإطار يغتنم المغاربة المقيمون بالخارج مناسبة الاحتفال بعيد العرش المجيد، بمختلف مقرات البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية للمملكة المغربية بالخارج، للتعبير عن ولائهم ولتجديد ارتباطهم الوطيد بالعرش المجيد”.