بقلم الدكتور أيوب بنجبيلي*
صحيح أن الوطن غفور رحيم، لكن لمن تاب ورجع وليس لمن تمادى وخان، فجميع القوانين الوطنية والدولية، تعتبر التآمر مع العدو خيانة عظمى حتى لظروف إنسانية فليس هناك مرتبة وسطى بين الانسانية والخيانة.
لقد مرت ستة وأربعون سنة من التضحيات التي شهدتها الاقاليم الصحراوية منذ سنة 1975 بين وجبهة البوليساريو، وذلك بعد إنهاء الإحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، من أجل استرجاع الأرض، وتحرير الإنسان، وتكريم المواطن المغربي بالصحراء، وتعزيز ارتباطه بوطنه، كما أن هذه المجهودات التي قدمت في سبيل الدفاع عن الصحراء خلفت فقدان أمهات وآباء من جميع أنحاء الوطن وهناك أرامل تحملن أعباء الحياة وحدهن، وأيتام لم يعرفوا حنان الأب، من أجل الصحراء وهناك شباب فقدوا حريتهم، وعاشوا أسرى لسنوات طويلة في سبيل الصحراء.
فالمغرب وفي علاقته الديبلوماسية ليس لديه أي عقدة لا في التفاوض المباشر ولا عن طريق الوساطة الأممية، ولكن يجب التأكيد هنا على أن سيادة المغرب، على كامل أراضيه ثابتة، وغير قابلة للتصرف أو الابتزاز و المساومة مؤكدا وجود عدد من المؤشرات التي تسير في اتجاه حل نزاع الصحراء وفقا للمقاربة المغربية، لاسيما بالنظر لما يحظى به مقترح الحكم الذاتي من تأييد من قبل المجتمع الدولي.
لقد استطاع المغرب من الناحية الجيو-ستراتيجية أن يطلق دينامية قوية على المستوى الداخلي وعلى مستوى علاقاته مع مختلف شركائه الأوروبيين والأفارقة والعرب والأمريكيين، لكونه أدرك كيف يقارب التغيرات الكبرى التي تلت مرحلة الحرب الباردة إلى الآن مع استثمار ما تحمله من فرص وفوائد، خاصة بعد افتتاح المزيد من القنصليات الأفريقية والعربية في مدينتي العيون والداخلة وذلك في إطار دبلوماسية القنصليات التي دشنتها المملكة المغربية لدعم مخطط الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية لاسيما بعد الخطوة التي كانت قد اتخذتها الإدارة الأميركية السابقة في ولاية ترامب بالإعتراف بسيادة المغرب على صحرائه،
بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء عبر ضبط النفس وعدم التصعيد امتثالا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
إن المغرب، الذي يظل بالمقابل قويا بالإرتباط الراسخ واللامشروط بوحدة الوطن والأمة، اختار على المستوى الداخلي تنمية مناطقه الجنوبية بنتائج جد مشرفة، بالموازاة مع تبني مقاربة، على المستوى الخارجي، تنبني على الحكمة واحترام القانون الدولي جعلت الجارة الشمالية تعيش في حالة قلق دائم ومستمر من المشاريع الكبرى التي دشنها المغرب كميناء طنجة المتوسطي ومدينة محمد السادس -طنجة تيك- والمنطقة الصناعية بالشمال وتقوية البنية التحتية بمدن الشمال عبر إحداث خط فائق السرعة “تيجيفي” –طنجة الدار البيضاء- وإنطلاق أشغال برج محمد السادس بالرباط وبناء أكبر معلمة للمسرح على ضفتي واد أبي رقراق، هذا بالإضافة إلى ملف تقنين القنب الهندي والذي ينتظر منه حماية كرامة المواطن المغربي وتشجيع الاستثمار، والحفاظ على أمن وسلم المنطقة المتوسطية كما أكد محمد الدخيسي، والي الأمن المدير المركزي للشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني ومدير مكتب “الأنتربول” بالمغرب،والذي سجل أن “…ألمانيا وإسبانيا ستتضرران من تعليق المغرب لتعاونه الأمني معهما لأن مستوى الأجهزة الأمنية المغربية، سواء المتعلق بإنفاذ القانون أو المعلومة الإستخباراتية بصفة عامة، معترف به على الصعيد العالمي بفضل مهنية وحرفية وصدق وكفاءة هذه الأجهزة وأطرها وأن شروط التعاون الدولي في مجال الأمن مبنية على -الند للند ورابح رابح والمعاملة بالمثل-، بالإضافة إلى ضرورة التزام الدول بقواعد الشرف في التعامل الأمني…” .
كما نجح المغرب في الجمع بين الفرقاء الليبيين بعد فترة طويلة من تعثر المسلسل السياسي، تتويجاً لحركية دبلوماسية أطلقتها المملكة المغربية مند اتفاق الصخيرات بهدف إعادة الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات للخروج بالبلاد إلى الإستقرار وإنهاء حالة الإنقسام المؤسساتي.
إن المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية في الآونة الأخيرة بفضل قيادة الملك محمد السادس كانت استثنائية بكل المقاييس واستراتيجية، زادت من تعميق النفوذ المغربي أفريقيا في مناحي اقتصادية وتنموية تتجاوز الفعل السياسي، فالمغرب لم يعد يرضى بازدواجية المواقف وباستمرار المواقف التقليدية في البحث عن حل للنزاع تحت إشراف الأمم المتحدة،
بل على الدول الأوروبية الإنخراط في “دعم الدينامية الإيجابية” في ملف الصحراء، دون التعامل بنوع من الغموض مع قضية وحدته الترابية.
وتبقى الصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم كما أكد على ذلك الملك محمد السادس نصره الله في العديد من المناسبات، فالصحراء قضية كل المغاربة و قضية وجود وليست مسألة حدود والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
*باحث في القانون العام