الفن سلاح قوي ومسالم يهاجم العدو بكل حكمة
حاورته حنان النبلي
– ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه الفنان التشكيلي داخل مجتمعه؟
الدور الحقيقي الذي يلعبه الفنان التشكيلي داخل مجتمعه هو تصوير الواقع المعاش هذا من جهة. أما حسب مفهومي الخاص، فالهدف الذي أسعى إليه بالدرجة الأولى هو صيانة التراث المغربي الأصيل بل وإحيائه والتعريف به داخل الوطن وخارجه.
– متى كانت بدايتك مع الفن التشكيلي؟ وبمن تأثرت من الفنانين؟
نشأت في أسرة مغربية محافظة لا تعرف عن الفن سوى الموسيقى الكلاسيكية، لتحتفل بعد ذلك بميلاد فنان تشكيلي كله عزيمة، إصرار وحب للفن. بدأت الرسم في سن مبكرة وعمري لا يتجاوز 6 سنوات، أحسست بحركات غريبة تنتاب أصابعي، وبدأت أول رسوماتي على جدران المنزل ثم على السبورة بالطباشير، لتتحول بعد ذلك فوق الدفاتر المدرسية، وبرزت موهبتي في أول دخول مدرسي، حيث كنت أحصد نقطا جد عالية في التربية التشكيلية مقارنة مع المواد الأخرى، وتلقيت تشجيعا كبيرا من طرف عائلتي، المعلمين والأساتذة وكل من شاهد رسوماتي تنبأ لي بمستقبل مشرق في مجال الفن، شاركت في عدة مسابقات محلية، وطنية ودولية في المرحلة الابتدائية والإعدادية وفي سنة 2002 شاركت في مسابقة عالمية كبيرة في موضوع الحياة والماء، وأحرزت المرتبة الأولى، وفي نفس السنة انتقلت إلى المركز الثقافي التابع للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن.في هذه الفترة تفجرت موهبتي أكثر فأكثر تحت تشجيع الأساتذة والمسؤولين وكجميع الفنانين التشكيليين أقوم بزيارة المعارض الفنية التشكيلية بصفة مستمرة،كما أتابع بكل شغف حركة الفن التشكيلي الكلاسيكي والحديث المعاصر، وفي هذا السياق أفضل أن أوظف مصطلح إعجاب بأعمال بعض الفنانين بدل تأثير، لأنني أشتغل على عدة مدارس فنية، مثل التجريدية، الواقعية، التشخيصية أو ما يعرف بفن البورترية، الخط العربي وكذلك الكاريكاتير…وأتميز بأسلوبي الخاص.
– ماهي فلسفتك تجاه العمل الفني التشكيلي؟
فلسفتي الخاصة تقوم على أساس اعتبار الفن مرآة تعكس ما يقع داخل المجتمعات من تحولات، تصورات، وكذلك من عنف، إرهاب وحروب. وبالفعل الفن هو مرآة تعكس شخصية الفنان وما يحس به بالداخل.فهو تذوق للحياة، وتجاوز للتفكير البسيط وبحكم انتمائي إلى وطني الأم “المغرب” لا بد وأن تكون لي رسالة سامية أطمح في تبليغها إلى جميع فئات وطبقات المجتمع من صغير وكبير وهذا ما يجعلني أركز أكثر على البساطة حتى تكون رسالتي سهلة الفهم والقراءة، وبلغة أخرى يلعب الفن التشكيلي دورا مهما في المساهمة في تطوير المجتمع والسير به قدما إلى الأمام وذلك بمعالجته بعض القضايا المجتمعية، سواء المتعلقة بالعلاقات الإنسانية أو التي لها علاقة ببعض السلوكات. وخلاصة القول فالفن التشكيلي يجعل عين المتذوق ترى ما هو أجمل وأحسن وأصدق.
– هل أنت مع فكرة أن الفن يمكن أن يكون للفن فقط؟ أم أنه أداة للتطوير وصناعة التغيير؟
على العكس أنا ضد فكرة الفن للفن فقط، بل هو وسيلة يحاول الفنان من خلالها أن يعطي صورة بديلة لما يجب أن يكون عليه الواقع،ولما لا تغييره إلى الأحسن. فالفن سلاح قوي ومسالم يهاجم العدو بكل حكمة وعقل، يجرح العدو دون إراقة دمه.
– ما مدى تأثير المكان على الألوان في حياتك؟
فعلا، هناك تأثير كبير، بل علاقة جد وطيدة بين الألوان والمكان وأبسط دليل، عندما أبدأ بصباغة عملي الفني بكل تلقائية وعفوية وبدون قصد تتجه ريشتي إلى الألوان الساخنة الداكنة، وهذا إن دل فانه يدل على أصل جذوري.لأنني ذو أصل صحراوي. وكما هو معروف فالمناطق الصحراوية تتميز بطابعها الساخن بشمسها ورمالها الذهبية وبأسوارها التي يغلب عليها اللون البني الداكن.
– ماهو شعورك عندما تقف أمام المسطح الأبيض؟ وهل تبدأ بتنفيذ الفكرة أم أنها تأتي تلقائيا من خلال عملك؟
أفضل تلقيبه بالصديق الوفي المخلص الذي أجالسه فنجان القهوة لساعات طويلة والذي كله آذان صاغية لما أحس به وأعبرعنه، فهو من يواسيني ويخزن أسراري وأفكاري . وبحكم ممارستي التصوير الفوتوغرافي، فمعظم أوقاتي أتجول في الشارع لاختيار أو اقتناص مواضيع من الواقع المعاش.بعد ذلك أقوم بطبعها على شكل صور فوتوغرافية لتبدأ بعدها عملية التنفيذ، إلا أنه في بعض أعمالي التجريدية يكون الموضوع قد بدأ بنقطة على المسطح الأبيض لتتحول وتتطور هذه النقطة إلى عمل فني.
– ما أهم لوحة رسمتها في حياتك وأخرى تتمنى أن ترسمها؟
لكوني أميل أكثر إلى فن “البورترية ” قمت برسم عدة فنانين ومشاهير، وفي هذا الإطار سأجزم بالقول أن أهم لوحة رسمتها هي صورة جلالة الملك محمد السادس نصره الله بتقنية الباسطيل،كما أن هناك عمل فني في المستقبل إن شاء الله سيتضمن الأسرة العلوية الشريفة وسيكون على القماش وبتقنية الصباغة الزيتية وعلى مساحة كبيرة إن شاء الله.
– ماهي المواد التي تشتغل بها فضلا عن الصباغة؟
بالنسبة للمواد التي استعملها أحيانا فهي مواد طبيعية ومحلية مثل الحناء، الزعفران، الجبس، الرمال، ومسحوق النجارة.. كذلك أقوم بتوظيف الورق، القطع البلاستيكية، وبقايا الأشياء المستعملة..، كل هذه المواد أقوم بتوظيفها في عمل فني بصبغة فنية تحت مفهوم “إعادة تصنيع القمامة”.
– كيف تقضي أوقاتك وهل تمارس بعض الهوايات أو النشاطات بجانب الفن؟ وما هي طقوسك التي تميزك ؟
بجانب الفن التشكيلي واشتغالي في الورشة أو المرسم أزاول مهنة التدريس كأستاذ للفنون التشكيلية بالمركز الثقافي التابع للمكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن، وكذلك أشتغل أستاذا في نفس المجال بالمدارس العلمية،كما كنت أزاول تجربة عرض الأزياء الرجالية في سنة 2002-2003 وأقوم بتصميم الأزياء على الورق. وهناك طقوس تميزني في عالمي الخاص الذي لا أسمح لأي كان أن يشاركني فيه.كما أحب الخلوة بالفكر، قصد استحضار الفكرة أو العمل الفني،كذلك أتميز بالهدوء والتركيز، وأفضل عند اشتغالي داخل المرسم، الاستماع إلى الموسيقى الهادئة الكلاسيكية، هذا إذا كان العمل الفني الذي اشتغل عليه عملا كلاسيكيا.وعلى العكس أستمع للموسيقى الكناوية عند اشتغالي على المواضيع التي تتضمن حركة قوية وسريعة.
– كيف ترى الفن التشكيلي العالمي؟ وما هي ملامح المشهد التشكيلي العربي والمغربي؟
الفن التشكيلي العالمي في مستوى جيد ،كما يشمل فنانين تشكيليين يحضرون بكل قوة . ويمكن أن نقول إن الفن التشكيلي العربي والمغربي في تحسن وتطور مستمر. وأبسط دليل في السنوات الأخيرة نظمت عدة تظاهرات ومعارض فنية وطنية كبرى علاوة على ذلك أصبح الفنان في تواصل مباشر مع المتذوق…الخ.
– ما هي أبرز العراقيل والمشاكل التي تعترض الفنانين التشكيليين في المغرب؟
هناك نقص في قاعات العروض الكبرى،وكذلك المدارس الفنية التشكيلية.
– هل هناك معرض تتهيأ له في المستقبل القريب؟
نعم ولله الحمد في صدد إقامة معرض تشكيلي بمدينة الدار البيضاء وآخر بمدينة الرباط ،كما أن هناك معارض أخرى مبرمجة في عدة مدن مغربية إن شاء الله ولم لا خارج الوطن. سأقوم كذلك بإنجاز أعمال كاريكاتورية في أحد الجرائد، كما أنني بصدد إنشاء جمعية فنية مخصصة للأطفال الموهوبين الذين يحتاجون الدعم المادي والمعنوي من أجل تشجيعهم والسير بها نحو الأمام. كما أن هناك رغبة في خوض تجربة السينما.