عبد السلام الشامخ
قضتْ الضّابطة فاطمة أبو الوفا 23 سنة متدرّجة في أسلاكِ الشّرطة الهولندية؛ لم يمنعها أصلها المغربي من الاندماجِ في مجتمعٍ مازالَ ينظرُ إلى الأجنبي نظرة إقْصائية؛ ولأنّها وهبتْ نفسها لخدمة مواطنيها، قادتْ معركة طويلة ضدّ العنصرية والتّمييز اللذين ينخرانِ الجهاز الأمني الهولندي، قبل أن تتوقّف رحلتها بقرارِ طردها من قبلِ مديرية الشّرطة الوطنية.
وتقول أبو الوفا، التي اشتغلت لما يزيد عن عشرين سنة في جهاز الشّرطة وقادت لمدة عام وحدة أمنية من 130 ضابطا، إنّ قرار الطّرد التّعسفي كان بسبب “إدانتها للعنصرية وسوء استخدام السلطة و”البلطجة” داخل الشرطة الصيف الماضي”. ووفقًا لقادة وحدة لاهاي، التي كانت ترأسها أبو الوفا، فإن مواقف الأخيرة النقدية أثارت الكثير من “التوتر الداخلي”.
وقال عضو في مديرية الشّرطة الوطنية لوسائل إعلام هولندية إنّ “وجود الضّابطة أبو الوفا تسبّب في مشاكل بين رؤساء الوحدات الأمنية ورؤساء القطاعات وقادة الفرق، إذ كانت في صراعٍ دائمٍ معهم”. وأكد قائد الشرطة إريك أكربوم أهمية التنوع داخل جهاز الشرطة، واصفا قرار الطّرد بأنه “مؤلم وغير مقبول”.
وتنشطُ أبو الوفا كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي، ولمّا كانت رئيسة على فريق أمني في منطقة ليدن قادت معركة ضارية ضدّ التمييز والعنصرية وطالبت بالانتباه إلى سوء استخدام السلطة و”البلطجة” داخل الشرطة؛ كما اشتغلت كمنسقة لضباط الشرطة المحلية بشيلدرزفيك في لاهاي.
وتقول فاطمة: “مهنة الشّرطة مليئة بالإثارة والتحدي. عندما أغادر المنزل في الصباح لا أعرف كم سيكون يومي مثيراً. خلال كل يوم عمل تصطدمُ بكثير من المواقف”. وتعود الشرطية إلى قصة أثّرت في مسارها: “ذات مرة مات طفل عمره 18 عاماً بين ذراعي بعد أن قفز من الطّابق العلوي لمنزله؛ ومرة حملتُ مولوداً حديث الولادة من سيارة؛ كانت لحظةً مؤثرة”.
ومنذ مقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ على يدِ جماعات إرهابية، بدأت الشرطية المغربية في دراسة التطرف والإرهاب؛ وكانت دائماً ما تحمل معها سؤالاً حارقاً: “كيف يمكن لشاب نشأ هنا أن يفعل شيئًا من هذا القبيل؟”، مبرزة أنّها “قدمت من المغرب وهي في سنّ الرّابعة”.
وكما العديد من المغاربة الوافدين على المجتمع الهولندي بخلفيات دينية وثقافية مختلفة، تعرّضت أبو الوفا لأزمة “هوية”، كما تعرّضت للتمييز أيضًا.. “لكن هذا لا يعني أنني أرفض سيادة القانون، بل على العكس تمامًا. لقد ذهبت إلى الشرطة للمساعدة في ضمان ذلك”، تشدّد الشرطية الموقوفة.
ويقود حالياً نشطاء هولنديون ومغاربة حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لردّ الاعتبار للشرطية الموقوفة، حيث يطالبون بإعادتها للعمل دون أيّ شرطٍ، خاصة أنّها “نجحت في تحقيق ذاتها داخل مجتمع مركّب يرفض المهاجرين”.
وتحكي أبو الوفا: “في هذه المهنة، يمكنك القيام بعملك بشكل جيد وبنزاهة، والعمل من أجل المجتمع، لكن زميلا واحدا يمكنه أن يعكّر صفوَ هذا العمل”، مبرزة أنّها تعرّضت لاستفزازات دفعت عائلتها حدّ مطالبتها بتغيير مسارها المهني والاتجاه إلى مجال التجارة.. “لكّنني كنت دائماً ما أطمح في أن أصير مديرة وحدة أمنية”، تضيفُ المسؤولة.
وتختمُ أبو الوفا رسالتها: “أعلم أن الفتيات الصغيرات يرينني نموذجًا يحتذى به..أريد أن أخبرهن بأن يكنّ طموحات ومتحمسات لتحقيق أحلامهنَّ”.