في ندوة وطنية بسلا “المدرسة مدعوة إلى ترسيخ القيم الإنسانية والمواطِنية، وتأهيل المتعلمين للإنخراط المسؤول في العالم الرقمي”.

أعدها للنشر “ع. عسول”

نظمت الثانوية التأهيلية الفقيه محمد بن ابي بكر الفقيه التطواني بشراكة مع مؤسسة الفقيه التطواني ومركز الدراسات والأبحاث الأكاديمية في الحكامة التربوية وبتنسيق مع مجلس مقاطعة بطانة، ندوة علمية وطنية في موضوع” الفضاءات الشبكية ورهانات التربية على القيم. أي دور للمدرسة المغربية؟”. بمشاركة ثلة من الخبراء والأكاديميين والاساتذة الباحثين، وذلك الجمعة الماضية بقاعة المحاضرات بالمركز السوسيو ثقافي ببطانة بسلا.

جاءت الندوة في سياق يشكل ضمنه التحول الرقمي أحد أبرز ملامح هوية المجتمع المغربي المعاصر، حيث أضحى الفضاء الشبكي بمختلف تجلياته—منصات التواصل الاجتماعي، الوسائط التفاعلية، والتطبيقات التعليمية—فضاء جديدا للتنشئة والتفاعل وإعادة إنتاج المعاني والقيم. لقد أفرز هذا الواقع تحديات ورهانات غير مسبوقة تمس البنية القيمية للمجتمعات، وتعيد صياغة علاقة الشباب بالمعرفة، وبالذات وبالآخر وحتى بالمؤسسات التعليمية.

حيث أصبحت المدرسة في هذا السياق، باعتبارها مؤسسة مركزية في عملية التنشئة الاجتماعية، مدعوة إلى إعادة النظر في أدوارها ووظائفها، ليس فقط بوصفها فضاء لتلقين المعارف، بل كذلك باعتبارها فاعلا محوريا في ترسيخ القيم الإنسانية والمواطِنية، وتأهيل المتعلمين للانخراط الواعي والمسؤول في العالم الرقمي.

إن التحولات التي تشهدها الفضاءات الشبكية تفرض تساؤلات جوهرية حول قدرة المدرسة على تحصين الناشئة من مظاهر الانزلاق القيمي، وعلى توجيههم نحو استعمال رشيد وإيجابي للتكنولوجيا يحقق التنمية الذاتية والمجتمعية في آن واحد.

ففي ظل تزايد حضور الوسائط الرقمية في الحياة اليومية للمتعلمين، وتنامي تأثيرها في تشكيل الوعي والسلوك، يطرح سؤال مركزي بحدة حول قدرة المدرسة المغربية على مواكبة هذه التحولات، وحول الدور الذي يمكن أن تضطلع به في ترسيخ قيم المواطنة والعيش المشترك، والنقد، والمسؤولية الرقمية، في زمن تتعدد فيه مصادر التأثير خارج أسوارها، كيف يمكن للمدرسة اليوم أن تضطلع بدورها في التربية على القيم داخل مجتمع رقمي مفتوح؟ وما هي المداخل البيداغوجية والمؤسساتية القادرة على جعل الفضاء الشبكي رافعة لتعزيز القيم بدل أن يكون مصدرًا لتفككها؟.

افتُتحت الندوة بكلمات ترحيبية أكدت على أهمية الموضوع وراهنيته، وعلى انخراط مختلف الشركاء المؤسساتيين والمدنيين في دعم البحث العلمي والتفكير الجماعي حول قضايا التربية والقيم. كما شددت الكلمات الافتتاحية على أن المدرسة المغربية لم تعد فضاءً مغلقاً، بل أصبحت جزءاً من منظومة رقمية مفتوحة تتقاطع فيها تأثيرات متعددة.

كما تناولت المحاضرة الافتتاحية موضوع التربية الرقمية والتربية على القيم بوصفهما مسارين متلازمين، حيث تم التأكيد على أن الفضاءات الشبكية ليست محايدة قيمياً، بل تحمل أنساقاً رمزية وثقافية قد تسهم إما في تعزيز القيم الإيجابية أو في تقويضها. كما تم التنبيه إلى ضرورة الانتقال من منطق المنع والتحذير إلى منطق التأطير والتربية الواعية.

من جهة أخرى انصبت مداخلات الجلسة العلمية الأولى، على تحليل التحولات القيمية في ظل الرقمنة، ومن أبرز القضايا التي أثيرت،تحديات المدرسة المغربية في ترسيخ القيم في سياق التحولات الرقمية المتسارعة.تأثير الذكاء الاصطناعي على المعرفة والقيم وإشكالات أخلاقيات الاستخدام.سلوك المتعلمين في الفضاءات الرقمية، مع تقديم نماذج تحليلية لواقع الممارسة داخل المدرسة وخارجها.دور مواقع التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل منظومة القيم لدى الشباب والأطفال.

وقد أبرزت المداخلات أن المدرسة تواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على أدوارها التقليدية في التنشئة القيمية، والانفتاح في الآن ذاته على متطلبات العصر الرقمي.

من جانب آخر ركزت الجلسة العلمية الثانية، على المقاربات التطبيقية والميدانية، حيث تم عرض نتائج أبحاث ودراسات تجريبية، من بينها،دراسات حول استدماج القيم المهنية لدى الأساتذة والمتعلمين في سياق الاستعمال الرقمي.
مقاربات تحليلية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم بين الفرص والتحديات.تحليل أدوار الشبكات الافتراضية في التنشئة الاجتماعية وصناعة السلوك الجماعي لدى تلاميذ التعليم الثانوي.

وقد خلصت هذه الجلسة إلى أن الاستخدام التربوي الواعي للتكنولوجيا الرقمية يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لترسيخ القيم، شريطة توفر التأطير البيداغوجي والأخلاقي.

أما الجلسة الختامية فخُصصت لتقديم تقرير تركيبي عام ( أعده ذ المهدي المعيزي) وتلاوة التوصيات، مع التأكيد على أهمية تعميم خلاصات الندوة، وربط البحث العلمي بالممارسة التربوية الميدانية.حيث أسفرت أشغال الندوة عن مجموعة من الخلاصات الأساسية، من أبرزها، أن الفضاءات الشبكية أصبحت فاعلاً مركزياً في التنشئة القيمية، ولا يمكن للمدرسة تجاهل تأثيرها.أن التربية على القيم في العصر الرقمي تتطلب مقاربة شمولية تشرك المدرسة والأسرة والمجتمع.الانتقال من التربية التقليدية إلى التربية الرقمية القيمية أصبح ضرورة ملحة،الذكاء الاصطناعي يحمل فرصاً تربوية واعدة، لكنه يطرح في المقابل إشكالات أخلاقية تستوجب التأطير.

أما بالنسبة لتوصيات الندوة فانصبت على إدماج التربية الرقمية والقيمية ضمن المناهج والبرامج الدراسية.تأهيل الأطر التربوية في مجال الاستعمال الأخلاقي والناقد للتكنولوجيا الرقمية.تعزيز البحث العلمي حول العلاقة بين الفضاءات الشبكية والتنشئة القيمية ، وإرساء شراكات بين المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني لمواكبة المتعلمين رقمياً.تطوير سياسات تربوية تستحضر التحولات الرقمية وتحدياتها القيمية.

ساهم في أشغال الندوة كل من الأساتذة الجامعيين والباحثين، فوزي بورخيص،مصطفى مقبول، محمد كرواوي، محمد بنطاهر، لبنى الماجيدي،مصطفى بنزروالة، عزوز عزاب، يونس رباح ، عبد المجيد أيت مبارك.