
العلمي الحروني
العلاقة بين مقال “نظرية الديمقراطية المغربية” للشهيد عبد السلام المؤذن (1988) و” أرضية اليسار الجديد المتجدد” -الحزب الاشتراكي الموحد (2025) هي علاقة فكرية ونظرية مباشرة، فالمقال يشكل أحد المرجعيات الفكرية التي تتقاطع مع التصور الجدلي والواقعي للديمقراطية كما تطرحه الأرضية.
تتجلى هذه العلاقة بشكل دقيق على خمس مستويات أولها المستوى الفكري والمنهجي، حيث أن النظرية إياها تعتمد بالأساس على المنهج الجدلي المادي في تحليل المجتمع والدولة، أي فهم الظواهر في وحدتها المتناقضة، المدني/السياسي، الظاهر/الباطن، العام/الخاص… في انفتاح واجتهاد فكري وفي صرامة تحليلية قوية ترفض الشعارات أو المقاربات السطحية، وهذا هو نفس المنهج الذي تتبناه أرضية اليسار الجديد المتجدد عندما تدعو، منذ البداية، إلى تحليل الواقع المغربي عبر التحليل المنهجي الجدلي البنيوي الضروري لفهم منطقي صحيح للتحولات الاجتماعية المجتمعية، لأن الأفكار المعلبة الجاهزة الجامدة أو “اللايقينية” من أسوأ آفات التفكير. فالشهيد المؤدن لا يربط الديمقراطية بإرادة فوقية، فهو يضعها في ارتباط بـ”حركة الواقع المادي للمجتمع المدني المغربي”، وهو ما تتبناه الأرضية أيضا في حديثها عن الديمقراطية كنتاج لصيرورة اجتماعية-اقتصادية.
على المستوى السياسي – الديمقراطي، يعتبر الفقيد المؤدن أن الديمقراطية في المغرب ليست ممكنة فقط بل ضرورية لتجاوز عبث الاستبداد والتسلط، لكونها تعبير عن تطور المجتمع المدني ذاته، أي مرحلة من مراحل وعي المجتمع بنفسه، هذه الفكرة بالذات هي ما تتبناه “أرضية اليسار الجديد المتجدد” حين تؤكد أن التحول الديمقراطي لا يمكن أن يكون شكليا أو إداريا، لكونه، منطقيا، لا بد أن يعكس توازنات جديدة داخل المجتمع المدني والطبقات الوسطى والشعبية. هكذا فكلا التصورين يؤكدان أن الاستبداد ليس ظاهرة شخصية أو فوقية (مرتبطة بالحاكم فقط)، ذلك أنه حين سئل فرعون: ما الذي فرعنك؟ أجاب أنه لم أجد أحدا يردني، وبالتالي فالاستبداد نتاج لبنية اجتماعية طبقية، وتجاوزه يتطلب تغييرا شروط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية وضغطا اجتماعيا حقيقيا.
أما على المستوى الاجتماعي – الاقتصادي، يشرح الشهيد المؤدن أن المجتمع المغربي انتقل من مرحلة الرأسمالية التبعية إلى ضرورة تحقيق الرأسمالية الوطنية المتحررة كشرط تاريخي للانتقال اللاحق نحو الاشتراكية، تماما كما يرى موقعو “أرضية اليسار الجديد المتجدد” أن المرحلة الراهنة بالمغرب تتطلب تحرر الاقتصاد الوطني من التبعية للقوى النيوليبرالية، وبناء اقتصاد وطني – شعبي قائم على العدالة الاجتماعية، تمهيدا لبناء مشروع اشتراكي ديمقراطي مغربي. هكذا يلتقي الطرحان في أن التحول الديمقراطي الحقيقي لا يمكن فصله عن المسألة الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى مستوى الموقف من الدولة، فالشهيد يرى أن الدولة ليست جهازا محايدا، بل انعكاس للبنية الطبقية المجتمع، وأن شكل الدولة يتغير بتغير المجتمع، بمعنى أن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع أمران مرتبطان جدليا، تماما كما طرحت “أرضية اليسار الجديد المتجدد” نفس المنظور بالتنصيص على أن الدولة المغربية الحالية هي نتاج توازنات تاريخية للرأسمال التبعي، ويجب تحويلها إلى دولة المواطنة والمساواة، أي دولة تمثل كل الطبقات لا الطبقة السائدة وحدها.
على المستوى التاريخي – المرحلي، يميز الفقيد عبد السلام المؤن بين ثلاث مراحل: دولة الطبقة الواحدة الاستبدادية (ما بعد الاستقلال)، ودولة الطبقة الواحدة الديمقراطية الشكلية (من السبعينات إلى التسعينات)، ويرى بضرورة الانتقال إلى دولة كل طبقات المجتمع المدني (الديمقراطية الفعلية)، ومن نفس التسلسل المشابه، تنطلق “أرضية اليسار الجديد المتجدد” لكنها تركز على أن المرحلة الراهنة تتطلب مشروعا يساريا جديدا يؤسس لمرحلة دولة المواطنة الاجتماعية التي تمثل كل الطبقات.
فالبعد النظري والرمزي لمقال “نظرية الديمقراطية المغربية” للشهيد عبد السلام المودن، كأحد رموز الفكر اليساري المغربي الذي استشهد في 1992، يجعل استحضاره في الذكرى الثالثة والثلاثين عودة فكرية رمزية إلى الجذور النظرية التي تقوم عليه “أرضية اليسار الجديد المتجدد”، فالأرضية في توجهها التجديدي، تحاول استعادة الإرث النظري العميق لليسار المغربي، ومنه فكر المودن، لكن في سياق معاصر يتعامل مع التحولات الجيوسياسية الراهنة في العالم.
هكذا، فإن “نظرية الديمقراطية المغربية” هي أحد النصوص المرجعية التي تمهد نظريا لـ”أرضية اليسار الجديد المتجدد”، من حيث منهج التحليل الجدلي للواقع المغربي والربط بين البنية الاجتماعية وشكل الدولة، وفهم الديمقراطية كتطور موضوعي، والدعوة إلى تجاوز الرأسمالية التبعية نحو اقتصاد وطني تحرري.
بمعنى آخر: فما نظر له عبد السلام المودن فكريا سنة 1988، تحاول أرضية اليسار الجديد المتجدد ترجمته تنظيميا وسياسيا في مشروع يساري وطني معاصر.
وتلكم بالضبط، هي القناعة الحاصلة لدى عموم المناضلين/ات بكون إعادة البناء الحزبي ستكون، بالضرورة، على أساس الرجوع للمنطلقات التأسيسية لليسار الجديد وتجديدها بالارتباط العضوي مع الديناميات الشعبية المناضلة المواطنة، الوطنية والمناطقية والشعبية منها والفئوية، والتي نعتبرها في ” أرضية اليسار الجديد المتجدد” مدرسة للنضال والالتزام. ( تتبع في الحلقة الثانية)
الخامس من نونبر 2025