مراسلون 24
في تطور خطير يؤكد عمق الروابط بين جبهة “البوليساريو” الانفصالية ومحور إيران – حزب الله، كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير موثق أن إيران أشرفت على تدريب مقاتلين من “البوليساريو” عبر ميليشيات حزب الله، في الأراضي السورية، دعماً لنظام بشار الأسد. هذا الارتباط ليس بالجديد، لكنه يُظهر إلى أي مدى تحولت الجبهة الانفصالية إلى ذراع إيرانية في شمال إفريقيا، تُستخدم لزعزعة استقرار المغرب، أحد أقوى حلفاء واشنطن في المنطقة.
التقرير الجديد الصادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي واحدة من أبرز مراكز البحث الأمريكية المتخصصة في الأمن القومي، يدعو بشكل صريح الإدارة الأمريكية إلى فتح قنصلية في الداخلة وتفعيل تصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي أجنبي (FTO)، استناداً إلى علاقتها المباشرة بإيران، وحزب الله، والجماعات الجهادية في منطقة الساحل.
وتُظهر الوثائق أن إيران زوّدت البوليساريو منذ 2018 بأسلحة متقدمة، بما في ذلك صواريخ أرض-جو من طراز SAM9 وSAM11، بوساطة من سفارتها في الجزائر. كما تلقّت الجبهة في السنوات الأخيرة طائرات مسيّرة انتحارية من طهران، وسط تحذيرات متكررة من الرباط.
بل أكثر من ذلك، فقد أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها مؤخراً، هجمات تحاكي استعمال الدرون من طرف “البوليساريو” ضد أهداف مغربية، في استفزاز مباشر للسيادة المغربية، وتأكيد على الانتقال من مجرد خطاب انفصالي إلى ممارسات عسكرية إرهابية عابرة للحدود.
ويُحمّل التقرير الجزائر المسؤولية الكبرى، باعتبارها الراعي الرئيسي لجبهة البوليساريو، حيث توفر لها التمويل، الأسلحة، الوثائق الرسمية، والملاذ في مخيمات تندوف التي تحولت إلى أرض خصبة لتجنيد الجهاديين والمتطرفين. وتشير المعلومات إلى أن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مهرجاناً مغربياً في نونبر 2024 انطلق من داخل التراب الجزائري.
ولعلّ أخطر ما ورد في التقرير هو الربط بين “البوليساريو” وتنظيم الدولة الإسلامية، إذ سبق لعدنان أبو الوليد الصحراوي، زعيم “داعش” في منطقة الساحل، أن تقلّد مناصب داخل الجبهة، قبل أن يتحول إلى زعيم إرهابي تمّت تصفيته من طرف القوات الفرنسية في 2021.
من جهة أخرى، يُتهم قادة “البوليساريو” باستغلال آلاف الأطفال المحتجزين في مخيمات تندوف في التجنيد العسكري الإجباري، وحرمانهم من التعليم، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وفق تقارير أممية ومنظمات غير حكومية دولية.
ويدعو التقرير إلى تحرك أمريكي عاجل، يؤكد على:
فتح قنصلية أمريكية في الداخلة، لتكريس الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
تصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي أجنبي، نظراً لارتباطها الموثق بجماعات مسلحة تهدد المصالح الأمريكية في إفريقيا.
فضح الدعم الإيراني والجزائري للجبهة أمام المؤسسات الدولية، ووقف استغلال قضية اللاجئين في تندوف لأغراض عسكرية.
تعزيز الشراكة الأمنية مع المغرب كركيزة استقرار إقليمي في وجه محاولات الاختراق الإيرانية الروسية الصينية.
إن هذا التحول في خطاب أبرز مراكز القرار بواشنطن ليس معزولاً، بل يواكب الحراك التشريعي الذي يقوده أعضاء من الكونغرس الأمريكي، من أبرزهم النائب الجمهوري جو ويلسون، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، اللذين يُجمِعان على أن مخطط الحكم الذاتي المغربي هو الإطار الواقعي والوحيد لتسوية النزاع.
وفي سياق تتكالب فيه الميليشيات المدعومة من إيران على الأمن الإقليمي، وتزداد فيه الجزائر عزلة بسبب تحالفها مع محور طهران-موسكو-بكين، تبدو واشنطن أمام لحظة حاسمة لإثبات أن الشراكة مع الحلفاء لا تكون فقط بالبيانات، بل بقرارات سيادية رادعة، تضع حداً لعبثية ميليشيات الانفصال والإرهاب المغلّف بخطاب “التحرير”.