قراءة تحليلية  في إحاطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء

من إعداد : طه العَرَبِي

《باحث بسلك الدكتوراه – جامعة محمد الخامس بالرباط 》

في سياق تتبع مجلس الأمن الدولي لمسار حل قضية الصحراء ، قدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بقضية الصحراء ستيفان دي ميستورا أمس الإثنين ، إحاطته النصف السنوية أمام أعضاء مجلس الأمن . هذه الإحاطة التي تندرج في إطار تعاطي المنتظم الدولي في إيجاد حل نهائي دائم و مستدام  لهذا النزاع الإقليمي ، بالإضافة إلى كونها بمثابة ديباجة للتقرير السنوي المتعلق بملف  الصحراء .

و ستنصب هذه القراءة إلى معالجة أهم المرتكزات التي جائت بها إحاطة ستيفان دي ميستورا
( المحور الأول ) ، علاوة على محاولة التفكير في التصور المستقبلي الذي يتعين على المغرب نهجه في إطار تدبيره لقضية الصحراء ( المحور الثاني ) .
( المحور الأول ) : أهم مرتكزات إحاطة ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن
قد شكلت مقاربة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بقضية القضية الصحراء نقطة تحول بارزة خلال إحاطته السنوية أمام مجلس الأمن ، فالمبعوث الأممي الذي دعا قبل سنة إلى محاولة التفكير في تقسيم الصحراء بين المغرب و البوليساريو ، أضحى اليوم أكثر واقعية بحقيقة الملف وبأن حل هذا النزاع أساسه الوحيد هو مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 .

هذا التحول المفصلي في نسق تدبير دي ميستورا لهذا النزاع هو إنخراط مجموعة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن ، و التي تمتلك حق الفيتو كفرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية ،  في دعم مقترح الحكم الذاتي  ناهيك على اعتبارهم على حاضر و مستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلى جزء من التراب المغربي .

كما أن اللقاء الذي جمع ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية المغربي مع ماركو روبيو المكلف بحقيبة السياسة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي قد مهد لتغيير دي ميستورا مقاربته السياسية و التدبيرية لهذا الملف و كذا في المصطلحات التي يتضمنها خطابه السياسي ، إذ تضمنت إحاطته مفاهيم من قبيل : مناقشة مضمون مقترح المغربي للحكم الذاتي – الزخم الدبلوماسي – السيادة المغربية – إطلاق خريطة جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء .

إحاطة دي ميستورا تضمنت أيضا كلمة أليكسندر إيفانكو رئيس بعثة المينورسو و التي أشار فيها إلى أن الجانب المغربي المتمثل في القوات المسلحة الملكية تحاول ما أمكن ضبط النفس و حسن تدبير منطقة الصحراء في إطار سلمي بعيد عن المقاربة العسكرية مع إشارته إلى أن البوليساريو لازالت ترفض دعوات المينورسو بوقف الأعمال العدائية بالمنطقة .

( المحور الثاني ) : التصور المستقبلي لتدبير المغرب لملف لقضية الصحراء
إن أهم ما ينبغي على المغرب استغلاله في الظرف الحالي هو استثمار ما جائت به كلمة دي ميستورا بضرورة استغلال المملكة لثلاثة الأشهر المقبلة للتعريف بالحيثيات الدقيقة و المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها مقترح الحكم الذاتي و شرح المملكة المغربية للمنتظم الدولي بأن غاية الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تكمن في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي ، يقوم على احترام القانون و الحريات الفردية و الجماعية و التنمية الإقتصادية ، و بالتالي فترويج المغرب لهذا المعطى في الوقت الحالي يشكل مفتاح مصادقة مجلس الأمن على الطرح المغربي وبالتالي دحض أطروحة البوليساريو .
و من هذا المنطلق ، فالأليات التي يمتلكها المملكة  كالدبلوماسية الرسمية و البرلمانية و المجتمع المدني ناهيك على وسائل الإعلام هي من القنوات الرئيسية التي ستساعد  على التعريف بمكونات الحكم الذاتي و مصداقيته  .
و في هذا الإطار أقترح المقاربة التالية لأهم المرتكزات التي يتعين على المغرب اتباعها خلال تعبئته السياسية بغية توضيح مبادرته و التي تنقسم إلى ثلاثة دعائم أساسية .
الدعامة الأولى : التذكير بالمرجعية الدولية لمقترح الحكم الذاتي و انفتاح منطقة الصحراء على الشراكات الدولية
إن مقترح الحكم الذاتي يتجاوب مع تقارير مجلس الأمن الدولي التي تنادي دائما بحل سياسي دائم و متوافق عليه ، بالإضافة إلى دعم مجموعة من الدول الأعضاء بالمجلس لهذا الطرح ، كما أن مقترح الحكم الذاتي يسمح للأقاليم الجنوبية بإبرام شراكات ذات طابع دولي في إطار السيادة المغربية ، الشيء الذي سيعزز من تقوية جاذبية مناطق الصحراء اقتصاديا و تنمويا .
الدعامة الثانية : صيانة و حماية الهوية الثقافية لمنطقة الصحراء
يتضمن مقترح الحكم الذاتي البعد المرتبط بالثقافة الصحراوية باعتبارها جزء من الهوية المغربية ، وعليه فالمغرب يتعهد بحماية الموروث الثقافي الحساني و تثمينه و النهوض به ، مما سيسمح لساكنة الصحراء من التعبير عن هويتهم المحلية من منطلق رسمي عبر الأليات التي سيسمح المخطط مستقبلا بإنشائها .

الدعامة الثالثة : مراعات الخصوصية المحلية لمنطقة الصحراء في تنزيل الجهوية المتقدمة
يعتبر تنزيل ورش الجهوية المتقدمة في الأقاليم الصحراوية خيارا استراتيجيا للدولة عبر تمكين ساكنة الصحراء من تدبير شؤونها الذاتية داخل إطار السيادة المغربية . إن هذا المعطى يعكس إلتزام المغرب بخيار ديموقراطي يراعي خصائص المنطقة التي يغلب عليها الطابع القبلي أو العائلي ، و هو ما يكرس مكانة الجهة كقناة في صنع القرار ، و بذلك فالمقاربة الجهوية في التدبير هي عصب و حجر أساس الحكم الذاتي في الصحراء .