المصدر: العربية.نت
ما بين الأول والثاني من أيلول/سبتمبر 1870، مرّت فرنسا بأحد أصعب أيامها حيث تمكّن ما يزيد عن 500 مدفع بروسي من إنهاك الجيش الفرنسي بمعركة سيدان.
ومع اشتداد الحصار عليهم بالمنطقة، لجأ الفرنسيون للاستسلام فعمد الجنود لتكسير أسلحتهم وحرق أعلامهم أملا في إنقاذ أنفسهم من براثن الجيش البروسي خاصة مع وقوع الإمبراطور الفرنسي أسيرا لديهم ورضوخه لشروط المستشار أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck).
وقد جاءت هذه المعركة الحاسمة في خضم الحرب الفرنسية البروسية التي أسفرت عن إعلان الوحدة الألمانية. في الأثناء، سجلت فرنسا دخولها لهذه الحرب الدامية، التي أسفرت عن سقوط نحو مليون ضحية بين قتيل وجريح وأسير، عقب تصاعد حدّة التوتر بين البروسيين والفرنسيين بسبب سياسات المستشار الحديدي بسمارك الاستفزازية. واتخذ الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث قرار الحرب بتسرع على الرغم من عدم استعداد جيشه لمجابهة العدو حيث امتلكت فرنسا حينها نحو 265 ألف جندي، مع بداية الحرب، توزعوا على جبهة امتدت على أكثر من 250 كلم بينما امتلك البروسيون وحلفاؤهم من الدويلات الألمانية أكثر من نصف مليون مجنّد تنقلوا بشكل سهل على طول الجبهة بفضل تنظيمهم العسكري وخطوط السكك الحديدية.
وبسبب عدم تكوينهم لتحالف مع القوى الأوروبية الأخرى ضد البروسيين قبل دخول الحرب، تلقى الفرنسيون على مدار أسابيع هزائم متتالية وقاسية على يد الجيش البروسي بكل من ويسمبورغ (Wissembourg) ورايخشوفن (Reichshoffen) وأجبروا على التراجع. وعقب دحره من قبل البروسيين وتسببه في إخلاء إقليم الألزاس لورين، أجبر المارشال الفرنسي فرانسوا آشيل بازان (François Achille Bazaine) على التراجع نحو فردان قبل أن يجد نفسه عالقا رفقة قواته بمنطقة ماتز.
حصار سيدان
بعد مضي شهر واحد عن تاريخ بداية الحرب، لم يتبق من الجيش الفرنسي سوى 130 ألف جندي تواجدوا بمعسكر شالون (Châlons) بقيادة الجنرال دو ماكماهون (de Mac-Mahon). وقد رافقه الإمبراطور الفرنسي حينها نابليون الثالث، الذي كان مريضا بسبب إصابته بحصاة كلوية، لتقديم شحنة معنوية للجنود.
وأملا في إنقاذ المارشال بازان المحاصر، حاول المارشال دو ماكماهون التقدم نحو ماتز إلا أنه تلقى هزيمة قاسية يوم 30 آب/أغسطس 1870 بمنطقة بومانت (Beaumont) فتراجع نحو سيدان وحوصر بها. ويوم 1 أيلول/سبتمبر 1870، جرت بسيدان أطوار أهم معركة بهذه الحرب التي أصيب خلالها الجنرال دو ماكماهون فتخلى عن القيادة للجنرال دوكرو (Ducrot) الذي تنازل بدوره عن قيادة العمليات لزميله الجنرال ويمبفن (Wimpffen). وتزامنا مع ذلك، أنهك القصف المدفعي البروسي القوات الفرنسية المحاصرة بسيدان وتسبب في سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى.
أمام هذا الوضع الصعب، تيقن الإمبراطور نابليون الثالث، الذي كان محاصرا بسيدان رفقة قواته، عدم جدوى مواصلة العمليات العسكرية وتخوّف من إهدار أرواح عشرات آلاف الجنود الفرنسيين من أجل هزيمة مذلّة. وأملا في الموت على ساحة المعركة وتجنب تسليم نفسه، امتطى نابليون الثالث حصانه وتقدّم نحو الخطوط الأمامية إلا أنه فشل في الموت حيث لم يصب الأخير بأي رصاصة فعاد نحو خيمته وهو يجر أذيال الخيبة.
استسلام الإمبراطور ووقوعه في الأسر
وخلال اليوم التالي الموافق للثاني من أيلول/سبتمبر 1870، فضّل الإمبراطور نابليون الثالث الاستسلام فتقدم بعربته التي تجرها الخيول نحو موقع القيادة العسكرية الألمانية رافعا العلم الأبيض وهنالك استقبله المستشار الحديدي أوتو فون بسمارك داخل منزل عادي. لاحقا، وقّعت اتفاقية الاستسلام بشكل رسمي بقصر بلفيو (Bellevue) على بعد كيلومترات من سيدان.
ومع انتشار خبر أسر الإمبراطور واستسلامه نحو كل من مرسيليا وليون وباريس، أعلن رسميا عن خلع نابليون الثالث وقيام الجمهورية وقد اتجهت الحكومة الجديدة حينها بباريس لمواصلة القتال ضد البروسيين قبل أن تجبر بدورها على الاستسلام مطلع العام 1871.