مراسلون24 – متابعة
قال شكيب سبايبي المدير التنفيذي لجمعية رواد التغيير للتنمية والثقافة، أن الجمعية تسعى لخلق فضاءات التلاقي من أجل تبادل الأفكار والآراء بخصوص عدد من القضايا الراهنة.
جاء ذلك في كلمته الإفتتاحية للندوة الوطنية التي نظمتها الجمعية يوم السبت 12 نونبر الجاري، بمدينة وجدة في موضوع “الاحتجاج والفضاء العمومي في ضوء استراتيجيات التواصل والترافع”.
وأضاف أن الندوة تندرج ضمن مشروع “جميعا من أجل الحماية الرقمية للنشطاء”، وهو المشروع الذي تموله المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية.
وأشار إلى أن الجمعية تسعى للمساهمة بالنقاش في هذا الموضوع الذي يكتسي راهنية كبرى.
ويعد المشروع الذي تنفذه الجمعية أول مشروع على الصعيد الوطني موجه لمواكبة النشطاء والمعتقلين السابقين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية، والذي يسعى إلى تقوية قدراته الترافعية، من خلال العديد من الدورات التكوينية “القانونية”.
وكشف في نفس السياق أن الجمعية تشتغل على دليل، ستصدره مع نهاية السنة الحالية، هو الأول من نوعه موجه لمساعدة نشطاء الحركات الاحتجاجية من أجل التدوين الأمن الذي يجنبهم المتابعات والملاحقات القضائية.
من جانبه، ذكر عبد الرحمان علال، المنسق العلمي للندوة، أن هذه الأخيرة تأسست في الفضاء العام، على إعتبار أنها كانت في الأصل دينامية سميت لنجعل القراءة طقسا يوميا، “فكرتها التوجه إلى الفضاء العام وسط مدينة وجدة، ونجتمع القراءة”، لذلك الفضاء العام ضل وفق نفس المتحدث “دائما حاضرا في التفكير العميق للجمعية”.
وأشار إلى أن المقاربة العلمية التي انطلق منها لوضع الأرضية، هي التحولات التي طالت العلاقة بين الفضاء العمومي والاحتجاج، لعل أبرزها الانتقال من الفضاء العام متغير آخر هو الفضاء الرقمي.
وأبرز أن اختيار موضوع الندوة محكوم أيضا بمحاولة النظر إلى هذا الموضوع من زاويا مختلفة، فإن كانت الزاوية السوسيولوجية مهمة في هذا الباب، فإن زاوية الباحث القانوني والعلوم السياسية ستكون مفيدة جدا.
الجلسة الأولى التي كانت تحت عنوان “الفضاء العمومي والاحتجاج: من المادي إلى الرقمي”، كانت أولى مداخلاتها من إلقاء سمية بودخيل، أستاذة الدراسات الإنجليزية والباحثة في النوع الاجتماعي بكلية الآداب بجامعة محمد الأول، التي أكدت في البداية على ضرورة التمييز بين Espace public et sphère publique (الفضاء العام والمجال العام)، على اعتبار أنهما شيئين مختلفين.
وأضافت بوتخيل التي قدمت مداخلة بعنوان “إعادة التفكير في الفضاء العمومي”، أن فهم “الفضائين” مهم ويشكل أرضية صلبة لبناء التصور حول المشاركة المواطنة، التي هي أساس الديمقراطية.
وإذا كان الفضاء العام وفق الباحثة له بعد فيزيائي فإن المجال العام له بعد رمزي أكثر، فالأول يتجسد بشكل مختلف في الشارع في المقهى وفي عدد من الفضاءات التي تعبر عنه، فيما الثاني لا وجود متجسد له هو مساحة و تصور الفكرة و تبادل للأفكار.
ويعتمد الفضائين وفق نفس المتحدثة على فكرة “الإشهار”، وهو أمر مهم خاصة بالنسبة للجماعات الاحتجاجية التي تسعى للاقناع بوجاهة فكرتها والتعبئة للاحتجاجات التي تقدم عليها مقدمة مثالا على ذلك بحراكي جرادة والريف.
عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بوجدة، الذي قدم مداخلة بعنوان ديناميات الإحتجاج الرقمي وتحولات الفعل السياسي، أبرز في بداية مداخلته أنه “ربما التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف يمكن أن نفهم هذه الديناميات المرتبطة بالاحتجاج الرقمي؟”
وأضاف أنه إذا أردنا أن نفكك الجواب حول هذا السؤال، فإن الأمر يقتضي الانفتاح على مستويات أخرى، باستحضار الحركة الاحتجاجية، وهذه الاخيرة يقتضي استحضارها ايضا استحضار والحركات الاجتماعية”.
التحدي الآخر وفق الباحث الجامعي، أننا نتحدث عن فضاءات ترتبط بالفضاء العمومي، بحيز جغرافي، والفضاء الافتراضي بل ايضا يرتبط احينا بالفضاء الهجين.
وأشار إلى أنه عندما نتحدث عن الاحتجاج الرقمي فإننا نتحدث أيضا عن المخاطر، و طرح أسئلة بصيغة استنكارية، من قبيل هل كان الاحتجاج الرقمي في صالح الحركات الاحتجاجية، و هل الحريات الفردية تعززت أو مانعطيه بيد يؤخذ بيد آخر.
من جانبه، زميله في كلية الحقوق عثمان الزياني، أستاذ العلوم السياسية، انطلق في محاضرته من ما أسماه “بديهية”، تتجلى في كون مراحل تطور الاحتجاج، وما شكله من تهديد للأنظمة السلطوية من خلال بعض الدراسات تبين من مختلف المعطيات الرقمية التي تؤرخ لها أنه منذ الحرب العالمية الثانية إلى 2001 القيادات هي التي تؤثر في التغيير.
بعد ذلك فإن الاحتجاجات المرتبطة بالانتخابات كان لها قوة التأثير وشكلت تهديدا حقيقيا للانظمة السلطوية.
لكن في المقابل نتحدث أيضا عن خاصية أو “خصيصة”، تتميز بها الأنظمة السلطوية، وهي التكيف في البداية مع المؤسسات الديمقراطية، و تطويعها لتكون خدمتها، و حتى في الديناميات التي توظف التقنيات الرقمية تكيفت معها وتمكنت من تروضها لصالحها.
وأبرز أن ارتفاع استخدام التقنية في 2019 أعاد النقاش حول بعض الأمور النظرية.
وأشار إلى أن تنامي الاحتجاج مقابل تنامي القمع الرقمي يمكن استحضاره من خلال بعض الدراسات الميدانية كالدراسة التي قام بها معهد كارنيجي إلى حدود 2021، والتي اعتمد فيها على مؤشرات منها القدرة على القمع، و قياس درجة الاستثمار في التقنيات الرقمية والمستويات المادية والبشرية لتعبيئ القدرة على القمع.
أما بنيونس المرزوقي أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول،أبرز أنه لاحظ من خلال معطيات عديدة أن الانتقال المادي والرقمي ضرورة لا محاد عنها، وفي المقابل فإنه لم يلاحظ تحقيق أي مكسب مادي انطلاقا من احتجاج رقمي.
وأضاف المرزوقي الذي قدم مداخلة بعنوان “الفضاء العمومي فضاء واقعي أم افتراضي؟”، أن التطور التكنولوجي يؤدي إلى اختفاء فضاءات وبالتالي الأماكن التي نحتج فيها تختفي أيضا، وأعطى المثال بعدد من المرافق التي كانت في السابق لم تعد موجودة اليوم من قبيل مرفق البريد والتلغراف أي مرفق “البريد القديم”.
وأبرز أنه من حيث اختفاء الفضاءات فهو أمر مؤكدا، و بالتالي هناك حاجة للبحث عن أشكال إحتجاجية تتماشى مع هذا التطور.
وأكد بخصوص المكاسب التي تحققت عبر التواجد الرقمي أنه في الواقع “لم نحصل على مكاسب مادية بناء على احتجاجات رقمية”.
إذ خضنا وفق نفس المتحدث مقاطعة شرسة، مقاطعة رقمية لثلاث شراكات غير أنه في الواقع “الشركات كلاونا” يقول مرزوقي الذي أكد أنه بقدر الاحتجاج الرقمي كان كبيرا بالقدر نفسه كان رد الفعل في الواقع من قبل الشركات المعنية.
في الجلسة الثانية من الندوة، والتي نظمت تحت عنوان “نشطاء الحراك واستراتيجيات التعبئة والترافع”، قدم محمد سعدي أستاذ حقوق الإنسان بكلية الحقوق بوجدة، مداخلة تحت عنوان “انحباس النقاش العام بالمغرب أي معنى لانحسار الفضاء العمومي”.
وأكد سعدي في معرض حديثه أن أهمية الموضوع المطروح للنقاش في الندوة، يكتسيها من كونه يعيد إلينا الحديث عن المشترك الذي يجمعنا في الفضاء العام، وسؤال كيف نستعيد حيزا يسمح للمواطنين وذواتهم أن يستعيدوا تأثيرهم في السياسية.
وأشار سعدي، إلى أن التضييق على الحركات الاحتجاجية ليس هو الأخطر، الأخطر في نظره هو إفراغ المجال العام أو الفضاء العام سواء على المستوى الواقعي أو الرقمي من كل معنى، عبر تغييب المعنى السياسي الذي هو المشترك بيننا.
وأضاف أن هناك تراجع في الفضاء العام كبعد المادي، مما يفترض تحقيق مجتمع قوي على اعتبار أن الدولة القوية بالمعنى الإيجابي تتطلب مجتمعا قويا يفترض نقاشا عاما.
عيسى لبقاقلة، وهو واحد من نشطاء حراك جرادة والذي أعتقل مرتين بسبب نشاطه الاحتجاجي، قدم كرونولوجيا عمل النشطاء والحراك بصفة عامة.
وأبرز لبقاقلة في المداخلة التي كانت بعنوان “حراك جرادة واستراتجية النضال الرقمي أن القرارات التي كانت تتخذ بخصوص “الخطوات النضالية” كوضع البرنامج الأسبوعي للاحتجاج، كان يتم بشكل جماهيري بمشاركة الجميع، مع مشاركة مميزة للنساء التي بلغت حد تنظيم مسيرات خاصة بهن.
كما ذكر الناشط بأن الدينامية الإحتجاجية بمدينة الفحم، لم تنطلق مع الحراك، وإنما هي قائمة منذ الفترة الاستعمارية ومنذ قيام نشاط الاستغلال المنجمي، وفي الفترة التي سبقت الحراك كانت هناك إحتجاجات مرتبطة برفض أداء فواتير الماء والكهرباء كرد فعل على الأضرار التي تلحق الساكنة جراء انبعاثات “معمل” انتاج الكهرباء.
وبخصوص أليات التعبئة، أكد لبقاقلة أنها اعتمدت النضال التقليدي الميداني و النضال الرقمي، إذ كان لمواقع التواصل الإجتماعي دور كبير في النقل السريع للمعلومة، وبخاصة تقنية النقل المباشر التي ساهمت بالتعريف بالحراك على المستوى الدولي.
من جانبه الصحافي والأستاذ الزائر بالمعهد العالي للإعلام والإتصال، يونس مسكين، انطلق من فكرة تفاعلية مع المداخلات السابقة، والمرتبطة بالتساؤلات التي تطرح حول مدى تأثير الفعل الرقمي وعدمه.
وتأكيدا منه على وجود تأثير، كشف الصحافي المغربي، عن واقعة إبان المقاطعة التي قادها المواطنون ضد عدد من السلع الاستهلاكية، وتتعلق باستجواب أجراه مع مسؤول رسمي كبير في عز لحظة المقاطعة، وعند انتهائه من إجراء المقابلة هم بأخذ صورة له من باب الاحتياط المهني، حتى وإن كانت صوره متوفرة في أرشيف الجريدة، وفي هذه اللحظة قفز المعني من مكانه لإبعاد قارورة ماء تنتجها شركة من الشركات التي كانت محط مقاطعة.وخلص بالقول بأن “مسالة التأثير محسومة”.
وأشار في نفس الوقت إلى أن الفكرة التي يسعى للتركيز عليها هي حضور معيقات حرية التعبير في الفضاء الرقمي، قبل أن يشير إلى أننا بصدد الاستيقاظ من وهم عشناه في لحظة معينة، وهو أن المجال الرقمي هو مجال حر تماما ويمنحنا سلطة أو جزء من السلطة و بالتالي يكفي أن نخوض هذا العالم ونخوض فيه.
وأشار أنه وفي سياق الاستيقاظ من الوهم، برز نقاش وبحث على المستوى العالمي، حول الأشكال التي يمكن أن نحمي بها الحرية، ليبرز توجهان كبيران الأول، يقوم على إسناد العملية للشركات، والثاني إلى الدولة، مع الإشارة إلى أنه في نفس الوقت هناك بحث عن حل ثالث.