سلا/ع. عسول
سلط باحثون وأكاديميون الضوء على واقع وسيرورة النخبة المغربية وتطور وظائفها وأدوارها في المجال السياسي و الثقافي و الحقوقي والتجاذبات التي عرفتها في خضم مخاض بناء الدولة المغربية من ثلاثينات القرن الماضي إلى العصر الحالي وذلك في ندوة علمية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني مساء الثلاثاء الماضي بسلا في موضوع “النخبة المغربية في زمن التغيير: من صناعة القرار إلى أزمة التأثير”..وأدار أشغالها كل مو بوبكر للفقيه التطواني رئيس المؤسسة وعبد الحق بلكشر مدير موقع اليوم 24.
وفي حديثها عن “النخبة الحقوقية” سجلت جميلة السيوري (حقوقية نسائية ورئيسة جمعية عدالة من اجل الحق في محاكمة عادلة) أن هذه النخبة ظلت حبيسة خطاب إصلاحي في سياق سياسي وثقافي فرض عليها ما أسمته الإزدواجية بين نفس تقدمي وحداثي لكنه مقيد بنفس تقليدي وسقف وحدود قلصت من دمقرطة الحياة السياسية،بالرغم من الهوامش الحقوقية الواسعة التي فتحتها هيأة الإنصاف والمصالحة ودستور 2011 .
على المستوى الاجتماعي أكدت المتدخلة خلال ندوة علمية نظمتها مساء الثلاثاء الماضي مؤسسة الفقيه التطواني بسلا في موضوع ”
النهبة للمغربية في زمن التغيير : من صناعة القرار الى ازمة التاثير” ، أكدت أنه لا يمكن الحديث عن مسار و خطاب موحد بفعل الهويات المتعددة التي يحتضنها المغرب مما يبعدنا عن توحيد الخطاب الحقوقي ويفرض تبني حلول اصلاحية وسط تراعي التوازنات الاجتماعية.
على مستوى خصائص الخطاب الحقوقي ، هناك اعتماد للمرجعية الدولية لكن مع تقييدها بالخصوصية ، فيما صناعة القرار ترتهن بالسياق ومستوى الإشراك ..أيضا يتم التركيز على المؤسسات الوسيطة بعيدا عن حركية المجتمع الحقوقي في حدود الضغط الناعم على الدولة حيث أمسى الخطاب الحقوقي براغماتيا لتحقيق مكاسب تدريجية .
واقترحت السيوري لتجاوز الارتباك انتاج نخبة جديدة ،تحمل مشروعا تحرريا متكاملا ،تتصف بالاستقلالية،سواء كنخبة حقوقية أوسياسية مع تجديد الفكر اليات التاطير وتحويل الخطاب الحقوقي لمضمون سياسي .
سعيد بنكراد استاذ بكلية الاداب بجامعة محمد الخامس بالرباط تناول “أدوار الخبير والمؤثر مقابل المثقف” من خلال الوقوف على المفاهيم من منطلق سيميائي ، حيث شدد أن هناك سياقا جديدا بصمته الرقميات الحديثة في تشكيل الفضاء الحاضن للنخب، والمتسم بانتفاء مفهوم الرأي العام الذي ارتبط بمجتمع قارئ وعوضه وجدنا أنفسنا أمام ما نسميه الرأي عبر شبكات التواصل فقط وهو رأي لا يفكر (حسب تعبير غاستون باشلار ) والذي يدمر كل ما له صلة بتشكيل الرأي العام المبني على العلم حيث ترافق هذا التحول بتغيير في مسميات الأشياء دون تغيير مضمونها من خلال استعمال مفاهيم مستوحاة من الرأسمالية والاستهلاك ، حيث سقطت مفاهيم (اليسار/ اليمين *حداثي /كلاسيكي* تقدمي/ رجعي ).
وعوض أن يتبلور رأي عام خاص بالمثقفين سيأتي المؤثر دون أن يثير قلق الجميع متسائلا عن معنى هذا المصطلح لغويا وتأثيره على من ؟ وبماذا يؤثر ؟مستحضرا نماذج روتيني اليومي ومجموعات الواتساب والفايسبوك بمنطق العشيرة والقبيلة..
واعتبر بنكراد أن المثقف يأتي فوق الأحزاب والدولة ودوره ووظيفته كانت واضحة بوقوفه ودفاعه عن الإنسان مختلفا مع الخبير في تدبير المعرفة ، هذا الأخير الذي يقدم الخدمة بناء على الطلب وبعيدا عن الصراعات السياسية .متحدثا عن تراجع دور المثقف المناضل من أجل قضية مقابل المحتج المدافع عن مطلب والمستهلك مقابل المواطن مشددا على أن ايضا كلمة “صناع المحتوى” لا تعني أي شيء بالنسبة له.
الاستاذ عبد الرحيم العطري استاذ التعليم العالي بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط تحدث عن “آليات ومسارات التنخيب” انطلاقا من مقولة ” السياق كفيل بإنتاج المعنى”، الذي وسمه بثلاث ملاحظات، سياق أسماه بالتجريف كمفهوم جغرافي ،وما نستشعره في التواصل الاجتماعي المرتكز على التحوير وعدم التفريق بين الشبيه والمصطنع حيث بلغ الالتباس مداه ،و سياق اللامعنى و الإفراط في الرقمي …
في ظل هذه السياقات أكد المتدخل أن صناعة النخب تتوزع على مسارين، التنخيب بالوراثة (شريف* عائلي* مخزني) كبارديكم اول ، و التنخيب بالكفاءة الاستحقاقية كباراديكم ثاني، معتبرا أننا حاليا أمام تنخيب هجين حيث تذهب نخب نحو الموالاة والتبرير ،بخطاب موزع بين التمجيد والنقد التعميمي البارد و نخب تذهب في مسار المعارضة وأخرى تسقط في مسار الحياد.
ومقابل صعود نخبة التكنوقراط التي أصبح لها حضور أكبر وحلول سحرية ، تعاني النخبة المثقفة والسياسية من أزمة وجود وهوية ، أزمة المعنى والانتماء، أزمة اللامخرج واللايقين والبعد عن التأثير في صناعة القرار .بعدما تم استبعادها وغالبا بعدت بشكل طوعي،وبعد انفصال المثقف عن السياسي والنقابي، مقابل بروز منطق التدرير و منطق “غير معني” ،مقدما مقترحات لاستعادة دور المثقف والسياسي من خلال تقوية دور الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بتجديد الخطاب ،التكتل من جديد والتشبيك و الجواب على سؤال” أي قيم نريد لهذا المجتمع ؟”
مداخلة ذ.محمد شقير باحث في العلوم السياسية سلطت الضوء على ” النخب الحزبية …بين العقم التنظيري وافتقاد الحس الاستباقي ” ،من خلال ثلاث محاور *العقم التنظيري *النخب السائدة وافتقاد الحس الاستباقي.. *من الاحزاب الوطنية للأحزاب المواطنة..
واعتبر أن الأحزاب سابقا و منذ الثلاثينات تركت زخما سياسيا كبيرا ساهم في تشكيل الروح الوطنية وبلورة دعائم الدولة الوطنية متحدثا عن أسماء زعماء مثل علال الفاسي، محمد بلحسن الوزاني، عبد الله ابراهيم وغيرهم التي كانت تنتج المعرفة السياسية، حيث كانت الأحزاب مشتلا لانتاج الأفكار لا أحزابا تبحث عن النتائج الإنتخابية فقط كما نسجل حاليا..حيث ظهرت نخب جديدة تعاني من عقم تنظيري وخطاب شعبوي عبر تبادل السباب والنعوت والاتهامات مما ميع المشهد الحزبي وشجع على العزوف السياسي ..
وأكد شقير أن النخب الحالية لم تستطع التقاط معالم التحولات التي شهدها المجتمع وتأطيرها وتنظيمها أو تجاوزها، مثل حركة 20 فبراير وباقي الحراكات الاجتماعية التي بقيت بعيدة عن النخب الحزبية ..
وشدد المتحدث أن المغرب بحاجة الى نخب حزبية بمفاهيم جديدة من خلال الانتقال من الأحزاب الوطنية للأحزاب المواطنة،حيث نحتاج لصناعة المواطن ولروح المواطنة .
من جانبه أفرد أحمد عصيد كاتب وفاعل حقوقي ، حديثه عن النخبة الثقافية التي تعتمد على الراسمال الرمزي وتتمتع بمواصفات المعرفة والعلم في مجالات مختلفة .
المتحدث تناول أربع خصائص تسم هذه النخبة فهي أولا تهتم بشكل أساسي بالبحث عن المعنى في المخاضات و استخلاصه واستشراف المستقبل،ثاني خاصية هي ممارسة النقد ،ثالثها النزعة الانسية بعيدا عن أي تقوقع ، مدافعة عن الانسان في جوهره وعن حقوقه فيما رابع خاصية هي صياغة وصقل المفاهيم لتدقيق الفكر حيث أن مهمة المثقف هي توضيح الغموض في المفاهميم ودلالاتها .
واعبتر عصيد أن هذه النخبة الثقافية هي ابنة الدولة الحديثة الجامعة والعلوم الانسانية مقابلها النخبة تقليدية حيث هناك فرق بينهما في التكوين وسياق الاشتغال.
فالنخبة الثقافية ساهمت في ترسيخ الفرد والفردانية عبر الإبداع بالمدينة مقابل مفهوم الجماعة في القرية والقبيلة ، نخبة ساهمت في إدراج المواطنين في الثقافة المؤسساتية الحديثة والمواطنة ،حيث انتقلت بنا النخبة المثقفة من الجماعة
في إطار مفهوم الأمة إلى المجتمع
لكن حسب المتحدث كان تطور النخبة يقابله نوع من التردد لدى للدولة ، فوجدت هذه النحبة نفسها غير مفهومة من المجتمع بذاته ، وبالتالي وقع ما أسماه “ديكالاج” مع أصحاب القرار السياسي مما أثر على سياقات النهضة .وانتقلت النخبة من أدوارها الطلائعية الى نخبة لم تعد مفهومة ووجدت نفسها حاليا في تحدي آخر وأكبر بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي،متحسرة في الوقت ذاته على ضعف تنزيل وتفعيل ما شاركت في صياغته وبلورادته من برامح ومشاريع استراتيجية نهضوية ( النموذج التنموي الجديد ودستور2011) ..