بقلم : محمد إيمان
من منا يتذكر سفره في “الكاطريام ” او الويستيرن، قطار الدرجة الرابعة الخشبي بلونه الاخضر العسكري الذي كان يجتمع فيه الدراويش و البسطاء، كان المكتب الوطني للسكك الحديدية في 70 و 80 من القرن الماضي يمتلك قطارات مكوكية حقيقية فعلا، ورغم ذلك كانت أفضل حالا ألف مرة من حافلات سريع الشمال والجنوب…كنا نرددها من عطلة لأخرى في انتشاء، ونحن تلاميذ، على سبيل الدعابة وبكل فخر: “يلا عطاتك ليام، ركب الكطريام”، لسبب بسيط، هو أن ركوب القطار الذي كان يعرف حينها باسم – train-، لم يكن في متناول ولا استطاعة الجميع..
انه براق الجيل القديم الكاطريام …كان قطار ” الكاطريام ” عندما ينتهي من الإنزال و الإركاب و يقلع من محطة سلا ببطئ شديد وسط صفيره المزعج ، كنا نشعر و كأنه إنجاز تحقق بعد طول انتظار … يخترق الحقول و الشعاب كسلحفاة لا ينتظرها أحد …كان هذا الصنف من القطارات والذي كانت بنيته لا تحميك من التقلبات الجوية، يأوي شرائح مختلفة من المجتمع: المسافرين، الجنود، اطفال المخيمات، اللصوص، النصابين، العرافين وكذلك السياح الهيبي الاجانب الذين كانوا يبحثون عن أرخص الأثمنة طبعا في الفنادق و القطارات و حافلات نقل المسافرين الى ان قطعت عنهم الطريق خوصصة القطاع السياحي، كل الشرائح كانت تتواجد في مقصورات القطار باستثناء الميسورين الذين كانوا يركبون القطارات من الدرجة الأولى أو الثانية قطار غرف النوم…..
كان السلايتية، المتنصلين من اداء اثمنة التذاكر، كايعجبهم هاذ التران، على طول الطريق تجد مناورات من هنا و هناك بين هؤلاء و عناصر شرطة القطار، وبعد كرّ وفرّ كايطلعوا فوق التران وكاينعسوا مبتعدين عن الإزعاج الذي يسببه لهم الكونطرولور وكانت العقوبة منين تيحصل واحد فيهم، هي يهبطوه في الخلا والقيفار، كايلوحوا ليه سباط ولا سبرديلة وملي كايمشي يجيبها كايقلع التيران ويخليه بحال الحنش لي تقطع ليه رأسوا ….
كان صنف الدرجة الرابعة يعبره عند كل محطة أنواع مختلفة من الباعة المتجولين، فمن منا لا يتذكر شرب كؤوس الشاي وطعم النعناع الأخضر المحشي فيها، خصوصا إذا كان الفصل شتاء، كؤوس مصبوبة “كتغلي” من غلايات الالمنيوم المثبتة بإحكام فوق”المجمر بالفاخر”، غلايات يحملها رجال مسنون في الغالب على أذرعهم اليسرى، يجوبون القطار من أقصاه إلى أقصاه ويبيعون سجائر بالتقسيط من نوع ماركيز وكازاسبور، وايضا البيض المسلوق مع خبزات شعير صغيرة الحجم والزيت البلدية و قراعي ديال المونادا فصطولة ديال لحديد عامرين بما بارد..
أذكر أننا كنا نصرخ بانتشاء، نساء، رجالا وكل من في المقطورة، كلما داهمتنا ظلمة الأنفاق الطويلة ولما يصل الكطريام الى مزراع البرتقال بين سيدي سليمان وسيدي قاسم .. يقوم أحد الأشقياء على متن القطار بجذب مثلث حديدي متدلي بين العربات، كان جهاز إنذار يشعر السائق بضرورة التوقف و استطلاع الأمر .. يقف القطار وسط حقول البرتقال فتنزل الجحافل من المقصورات مهرولين نحو الخيرات التي لا تحدها الأبصار .. يعودون إلى أماكنهم سالمين غانمين ديسيرا طازجا لم يكن في الحسبان فينطلق القطار من جديد بعد التأكد من الإنذار الكاذب ..
وللإشارة فقبل سنوات قليلة كان الكهرباء بالسكك الحديدية ينتهي بسيدي قاسم ،فيتم تغيير رؤوس القاطرات من كهربائية إلى بنزينية أو مازوطية ،لتكمل الرحلة بعدها إلى كل من وجدة عبر مكناس فاس تازة وإلى طنجة عبر أصيلة، أما عن اعطاب القطار في الخلاء وسط حقول القمح أو تأخره عن موعده بالساعات، فحدث ولا حرج عليك في ان تضيف ما تشاء…! كنا يومها غير ملزمين بشيء، متحررين من اي موعد، لذلك لم نكن نبالي بتأخر القطار الذي كان يفوق الساعتين أحيانا، كان يكفينا فخرا أننا فوق قضبان الحديد، وأحيانا كان التأخر او العطب يتحول إلى جلسات حميمية طويلة وسط الربيع والزهور واكل الفول والجلبان، حتى أننا كنا في بعض الأحيان ننسى بأننا مسافرين، فنسارع إلى قطف ما طاب لنا من سنابل الشعير، أما الآن فإن التأخرات قد لا تتجاوز الساعة في الغالب، الحمدالله لقد تقدمنا كثيرا…!