العلمي الحروني – قيادي بالحزب الإشتراكي الموحد
حالة شاذة ونادرة يعرفها الوضع السياسي الحالي في مصر. حالة مرض ووهن بنيوي معقد أضعف مما عاشته خلال وبعد حرب النكسة بعد 1967، المشاركة السياسية الحقيقية شبه منعدمة، بالرغم من تواجد 24 تنظيما سياسيا وانتخابات محلية وتشريعية، ومستقبل التداول على للسلطة غير واضح، إنها تعيش فترة أزمة لا أفق سياسي لها. هذه الحالة الشاذة بمصر هي عامة بجل الدول العربية، لكن اعتبارنا مصر دولة كبرى وذات تاريخ وحضاري وسياسي عميقين ولكونها الدولة الإقليمية المؤهلة لتكون قاطرة لقيادة دول المنطقة.
أولى شروط القيادة هي تقوية الجبهة الداخلية المصرية وإشراك فعلي للشعب المصري في البناء الديمقراطي، وثانيها، استعادة استقلالية الدولة المصرية التي مست إثر مخلفات هزيمة 67 وتنازل مصر السادات عن علاقتها الاستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي بطرده سنة 1972، وتوقيع معاهدة كامب ديفد وقبول مصر العيش على المساعدات الأمريكية التي ما فتئت تنخفض إلى أن قاربت الصفر.
الغرب على يقين أن نهضة مصر هي مفتاح نهضة العرب، لذلك يواصل المشروع الغربي الإمبريالي عمله لاستدامة إضعاف مصر وبقائها على حالها كدولة ناقصة السيادة، فبعد الربيع الديمقراطي واسقاط نظام حسني مبارك سنة 2011، طلع الإخوان المسلمون كأول تنظيم سياسي في الانتخابات، وبعدها سقط نتيجة لظروف موضوعية ولأخطاء استراتيجية وقع فيها هذا التنظيم الإسلامي التاريخي وكان لسقوطه بالغ التأثير على فروعه بالدول الأخرى.
لقد أخطأ الإخوان المسلمون وأخطأ الرئيس محمد مرسي في التقدير وقياس موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية. بغض النظر عن موازين القوى الخارجية وأهميتها، كان فوزه في الانتخابات لم يتجاوز خمسون بالمئة سوى بقليل، رغم ذلك وقع إقصاء للقوى المصرية الأخرى وتم الاستمرار في شعار “الإسلام هو الحل” رغم تنبيه الرئيس التركي أردوغان في أول زيارة لمصر سنة 2011 والتصريح بأن ” العلمانية هي الحل” في دولة مصر.
هذا جزء من العوامل التي جعلت من مصر للأسف جسما مريضا ترك على حاله وحيدا، من نكبة 1967، لوقت طويل الى أن أصبح على شفى الموت، وكان لبروز تضارب في الأجندات والمواقف العربية بليغ الضرر بالأمن القومي المصري، عطفا عن موقع مصر وسط نيران بيئة ملتهبة: بلد بجنوبه مشاكل لا تنتهي في السودان حيث بعض العرب يؤيد طرفا في الصراع (جيش البرهان) والبعض يؤيد طرفا آخر (قوات الدعم السريع – الجنجاويد)، وبجانبه ليبيا ومشاكلها التي لا تنتهي، كما أن في فلسطين وغزة مشاكل أعمق أخرى.
كل الأمور الموضوعية التاريخية والجيوسياسية والداخلية في مصر ترشحها لمزيد من الضعف، وتبقى المسؤولية ملقاة على عاتق النخبة المصرية قبل قيادته السياسية. بالرغم من الوضع المأزوم، يتحدث النظام المصري عن “تماسك قوته” وعن ” الجاهزية ” للدفاع عن مصر والقضايا العربية المشتركة !!، عدة مواقف سلبية، في العديد من القضايا، تفند مزاعم النظام المصري، وصمته صمتا لا يليق بشعبها العظيم ولا بمكانتها كدولة عربية كبرى. كيف لدولة ذات الحدود مع الكيان الإسرائيلي ومالكة معبر رفح أن تصمت إزاء ما يقع من إبادة لشعب فلسطين؟ وكيف يتم استساغة عدم انضمام مصر إلى جنوب افريقيا في القضية التي رفعتها لمحكمة العدل الدولية ضد الإبادة الجماعية للكيان الصهيوني تجاه شعب فلسطين.
يبدو أن حالة الضعف المزمن في مصر وخاصة بعد سقوط نظام الأسد، بالنظر إلى علاقات أرحام جغرافية وثقافية عميقة مع بلاد الشام، يبدو أن مصر ستصبح فريسة في “عيون” تنظيم “الإخوان المسلمين” للتفكير في عملية ما يشبه ” ردع العدوان” بسوريا، هذا التوجه مفهوم من خلال تلميحات بعض رموز الإخوان، وإذا ما تم الإقدام عمليا على هذا النحو، ستكون خطئا جسيما جديدا للإخوان، والنظام المصري فطن لهذا الأمر.
من المتوقع أن يقوم النظام المصري باتخاذ إجراءات وقائية كإجراء انفتاح سياسي للمصالحة الداخلية مع المجتمع وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المصريين، وإجراء انتخابات معقولة في حدودها الدنيا على شاكلة نظام حسني مبارك للاقتراب من توجه الشعب المصري لضمان استمراريته. لأن أي باحث مهتم بالحقل السياسي المصري سيتساءل عن مدى تمثيلية الحكومة المصرية والحزب الحاكم للمجتمع.
الحاجة ماسة الى المصالحة مع الشعب وتقوية الجبهة الداخلية لمصر مع الشعب، فالبرلمان المصري ( مجلس الشعب) يجب أن يكون مؤسسة ذات تمثيلية شعبية حقيقة تؤدي دورها في رقابة أداء الحكومة أو إنفاق أموال الدولة، وليس مجرد صدى للحكومة كما هو الحال اليوم.
فالباحثون المستقلون في مصر يتحدثون، بخجل، وفي الصالونات، عمن يملك مساحات شاسعة من الأراضي المصرية المفوتة، بشكل خطير، لأطراف كثيرة غير معروفة ولا الجهة التي وراءها، وهذا موضوع سينفجر لا محالة في المستقبل.
عاشت مصر