مراسلة/ م – ع- الإدريسي
صدر مؤخرا للدكتور محمد بنيوسف مؤلف جديد حول موضوع “حق الشعوب في تقرير المصير، صور ومقاربات منهجية”، عن دار النشر سليكي أخوين بطنجة، ويقع في 463 صفحة من الحجم المتوسط، قام بتقديمه الدكتور جعفر بنموسى.
ركز الكتاب على الأهمية الدولية للتصور الجديد لمفهوم تقرير المصير للتعامل مع الحالات المستجدة ولحل بعض القضايا القديمة، التصور الذي يشكل آخر تطور لمفهوم تقرير المصير بعد وصول التصور التقليدي إلى عجزه عن الإجابة عن الحالات المستجدة والمطروحة في السنوات الأخيرة.
المؤلف الجديد الذي تم توقيعه على هامش ندوة “الديمقراطية الترابية: قراءات متقاطعة” المنظمة من طرف مركز الدراسات القانونية والاجتماعية ومختبر الدارسات السياسية والقانون العام لكلية الحقوق بفاس ومركز تكامل للدراسات والأبحاث بتاريخ 19-06-2021 بالحسيمة، تناوله الباحث من خلال قسمين؛ قسم أول خصصه للمقاربات النظرية لحق الشعوب في تقرير المصير وتناول من خلاله مختلف الاتجاهات التي تعرضت للمفهوم كالاتجاهات الفلسفية والقانونية الفقهية، مما حتم الانطلاق من الأصول الفكرية للمفهوم وارتباطاته التاريخية بالرؤى السياسية والدينية، ثم انتقل نحو إبراز أهم الأشكال والصور والمقاربات التي عالجت حق الشعوب في تقرير مصيرها، والتي حددها بشكل عام في تقرير المصير الخارجي كآلية ارتبطت بمرحلة تصفية الاستعمار بأفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية بشكل عام، ثم تقرير المصير الداخلي كآلية تجمع مختلف التطلعات الداخلية للشعوب نحو التغيير السياسي وتحقيق الديمقراطية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في علاقتها بأنظمتها السياسية الحاكمة.
ومن أجل فهم أكثر وضوحا للأشكال المطروحة خص هذا الجانب ببعض الحالات التطبيقية التي عرفها المنتظم الدولي ومنها حالات جنوب السودان وإيرتيريا وفلسطين وغيرها، قبل أن يعطي أهمية خاصة لما أطلق عليه “الموجات الجديدة لتقرير المصير في العالم” مخصصا هذا الجانب من بحثه لمجموعة من التجارب التي برزت خلال السنوات الأخيرة (ابتداء من سنة 2016) وركز على حالتي كطالونيا وكردستان العراق، ومآل تطلعهما نحو الاستقلال والانفصال، ودور الأمم المتحدة والمنتظم الدولي في سياق هذه التجارب والحالات، وعلاقة حق تقرير المصير بحق التدخل الدولي وبواجب الحفاظ على سيادة الدول كمبدأ أممي.
أما القسم الثاني فخصصه الباحث لصور وأشكال تقرير المصير بالمغرب الكبير، فاستعرض جانب مهم من تطلع شعوب هذه المنطقة، إما كرد فعل عفوي وتلقائي من قبل شعب كل دولة تعرضت لاستهداف استعماري أو في شكل تكتلات منظمة إما مسلحة أو سياسية وطنية أو مغاربية من خلال مجموعة من الآليات التنظيمية.
اقتصر في تناوله لهذا القسم على نموذجي المغرب والجزائر باعتبارهما يوفران إمكانية تناول كل الصور والأشكال التي عرفها حق تقرير المصير، فعرج على مختلف الآليات التي سلكتها الدولتين في علاقتهما بالاستعمار من أجل الوصول لتحقيق الاستقلال، من كفاح مسلح، وآليات سياسية، وأخرى دبلوماسية وتفاوضية.
وبعد استقلال الدولتين بدأت تبرز مجموعة من التطلعات الجديدة، إما نتيجة لمخلفات استعمارية، أو نتيجة عدم تدبير محكم لنخبة دولة الاستقلال لعلاقتها ببعض المناطق، وكان من نتائج ذلك أن برزت قضية الصحراء بالنسبة للمغرب وقضية القبائل بالنسبة للجزائر. وقد تناول الباحث الحالتين كنموذجين عرفتهما دولتي المغرب والجزائر بعد استقلالهما، وعرج على السياق التاريخي والسياسي لكل حالة، ثم استعرض الأحداث المرتبطة بالنموذجين، والمقاربات المختلفة التي اعتمدتا خلال سياق البحث عن الحلول، ليوصي بعد دراسة دقيقة للحالتين بما يفيد بأن الحكم الذاتي يبقى هو الحل الأنسب لهما لصون وحدة الدولتين من جهة وتحقيق تطلعات ساكنة المنطقتين لتسيير شؤونها في إطار من الديمقراطية والحرية، دون تأثير على مستقبل المنطقة المغاربية، باستحضار أهداف الأمم المتحدة والمبادئ المؤطرة لعملها وتدخلها، إذ بعد تأسيسها عام 1945 أُوكـــل إليها مهمــة أســاسية، هي صــون السلـم والأمن الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك فإن حفظ السلم والأمن الدولي شكلت أهم المقاصد التي نص عليها ميثاقها.