بقلم الدكتور أيوب بنجبيلي(*)
مما لا شك فيه أن حلول الذكرى الثانية والعشرون لتربع أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه المنعمين يعتبر فرصة غالية للشعب المغربي يستحضر فيها أسمى مظاهر الفخر والاعتزاز، قوة ومتانة الالتحام المكين الذي ما فتىء يجمعه بالعرش العلوي المجيد على امتداد جميع مراحل بناء صرح مملكة الرخاء والازدهار وأهم المنعطفات الحاسمة والمواقف الصعبة من تاريخ الأمة.
وتأتي هذه الذكرى المجيدة يوم 30 يوليوز من كل سنة، لتسلط الضوء على أواصر المحبة القوية، وتعلق الشعب المغربي الراسخ بجلالة الملك محمد السادس، رمز الأمة وموحدها، وباعث نهضة المغرب الحديث، الذي تمكن بفضل حنكة وتبصر وسداد رؤية جلالته وتجند أبناء هذا الوطن الأبي، من شق طريق التقدم والازدهار بكل عزم وتباث.
والشعب المغربي إذ يخلد هذه الذكرى الحافلة بالدلالات والحمولات التاريخية الوازنة، يجدد تأكيده على متانة رابطة البيعة الشرعية، من خلال استحضار بعدها الديني القائم على التعاليم السديدة للدين الإسلامي الحنيف، وتشبته الراسخ بتخليد هذا العيد الوطني المجيد جريا على العادات والتقاليد العريقة للمملكة المغربية، فلقد جسدت البيعة الشرعية، على امتداد تاريخ المملكة المغربية الرابطة المتينة والصلة الراسخة التي ما فتئت تجمع الملك بوصفه أميرا للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين، بشعبه الذي يعتبره بمثابة قائد الأمة ورمز الوحدة والسيادة الوطنية بجميع تجلياتها.
إن العرش العلوي المجيد الذي يعتليه اليوم ملكنا الشاب أدام الله نصره يعتبر شعارا بارزا لمسيرة الاستمرار والتحدي والصمود وهو رمز لمعارك التحرر والتشييد والعطاء من أجل خدمة مصالح البلاد والرعية وبعث روح التجديد والتحديث والإصلاح في مختلف الميادين وعلى مستوى كافة المجالات إنه من جهة أخرى رمز للريادة الحكيمة والقيادة الرشيدة والنظرة الواعية المتبصرة التي طبعت عهد الملك محمد السادس حفظه الله الذي هو عهد الوفاء والإخلاص والتضحية مما ضمن لهذا البلد الآمن عوامل الرخاء والاطمئنان والاستقرار .
فلا أحد ينكر أن المملكة عاشت، منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، على إيقاع تحولات كبرى؛ بفضل المبادرات والمشاريع والمخططات التي أطلِقت في كافة المجالات. وكانت الخطب الملكية حينها بمثابة قناة تواصل مباشرة مع المغاربة لتحديد الأولويات والمقاربات، وطرح رؤى وتصورات الملك الشاب الرامية لإحداث التغيير المنشود في مختلف الجبهات بالمغرب.
حيث كانت المؤسسة الملكية قائدة لقاطرة التغيير في البلد، من خلال سياسة الأوراش الكبرى التي غطّت كافة الحقول؛ من الاقتصادي والاجتماعي حتى السياسي والدبلوماسي مرورا بالديني والأمني.
وفي هذا الإطار استهل الخطاب الملكي بتوجه جلالة الملك بعبارات الشكر والتقدير، لمختلف السلطات العمومية، على قيامها بواجبها، على الوجه المطلوب، للحد من انتشار هذا الوباء”، خاصا بالذكر العاملين بالقطاع الصحي من أطر طبية وشبه طبية مدنية وعسكرية، وكذا أفراد القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، ورجال وأعوان السلطات المحلية، وكل مكونات الأمن الوطني والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، وكل الذين كانوا في الصفوف الأولى لمواجهة هذا الوباء”.
وقد ركز الخطاب الملكي الذي جاء في ظرفية عصيبة يعيشها المغرب والعالم جراء مواجهة جائحة كورونا كوفيد19، حاولت المملكة اتخاذ مجموعة التدابير لايجاد الحلول للحد من اثأر هذه الأزمة عبر احداث صندوق خاص لتخفيف من تداعيات هذه الأزمة عبر إطلاق خطة طموحة لانعاش الاقتصاد من خلال إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار للنهوض بالانشطة الانتاجية ومواكبة وتمويل مختلف المشاريع الاستثمارية..
كما أشاد الخطاب الملكي باعتزاز المملكة بنجاح في معركة الحصول على اللقاح وصناعته بالمغرب، إذ يندرج هذا المشروع المهيكل في إطار إرادة جلالة الملك تمكين المملكة من التوفر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة لتصنيع اللقاحات بالمغرب.
من خلال تعزيز السيادة الصحية للمملكة، فإن مشروع تصنيع اللقاحات يكرس الإشعاع الدولي للمغرب ويعزز مكانته كمصدر للأمن الصحي في محيطه الإقليمي والقاري، في مواجهة المخاطر الصحية والاعتماد على الخارج والتقلبات السياسية.
وأوضح جلالته في هذا الصدد :” بفضل هذا المجهود الوطني الجماعي، يسجل الاقتصاد الوطني مؤشرات إيجابية، على طريق استعادة قدراته الكاملة.” كما نبه جلالته إلى أن “الميثاق الوطني من أجل التنمية” يشكل إطارا مرجعيا، من المبادئ والأولويات التنموية، وتعاقدا اقتصاديا واجتماعيا، يؤسس لثورة جديدة للملك والشعب.
إن الخطاب الملكي كان خطابا تشخيصيا لواقع الازمة التي يعيشها المغرب مع الجارة الجزائرية حيث دعا الملك محمد السادس إلى فتح الحدود البرية بين البلدين، المغلقة منذ 1994من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
فقناعة جلالته أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين معتبرا أن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله كما أكد على ذلك في مختلف المناسبات.
خاصة أنه لا الرئيس الجزائري تبون، ولا حتى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ولا جلالة الملك محمد السادس، مسؤولين على قرار الإغلاق.
معتبرا جلالته بأنهم مسؤولون سياسيا وأخلاقيا، على استمراره؛ أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام المواطنين.
مؤكدا جلالته “لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا. معتبرا أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره”.
وفي السياق ذاته تأسف جلالته للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا لا سيما في المحافل الدولية.
داعيا إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات البلدين، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين الشعبين مؤكدا على أن المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان.
(*) دكتور باحث في القانون العام والعلوم السياسية.