مراسلون24 – و.م.ع
صلالة – مياه متدفقة، وشلالات ساحرة، ومنابع عيون شتى، وخضرة على مد البصر، واعتدال مناخي استثنائي على مدار العام، وإطلالة بشواطئ خلابة على بحر العرب، تحيطها الجبال بشكل نصف دائري شمالا وشرقا وغربا، تلك هي مدينة صلالة عاصمة العطور العمانية حيث تلتقي جاذبية السياحة بعبق التاريخ وتتساكن في عمقها الثقافي حضارات أبت إلا أن ترسخ قيمها ومعالمها بحضور وازن وممتد في التاريخ.
موقعها المثالي بمحافظة ظفار، أرض اللبان، يمنحها تميزا طبيعيا وثقافيا ومؤهلات لا تتوفر لغيرها بالمنطقة، فهي تتواجد في الجزء الجنوبي للسلطنة، حيث تتصل شرقا بمحافظة الوسطى، وتتجاور من الجنوب الغربي باليمن، وتطل بكليتها جنوبا على بحر العرب، فيما تمتد على مرمى بصر منها شمالا صحراء الربع الخالي المحاذية للحدود السعودية. أرض اللبان والبخور، لطالما كانت كذلك ومنذ تاريخ بعيد، ما جعلها مقصدا للباحثين عن هذه البضاعة الفاخرة التي كانت في قلب تجارة نشيطة ومجزية، اهتم بها صانعو القرار في حضارات العالم القديم، كالحضارة الفرعونية والآشورية والفارسية والرومانية والإغريقية، لكن ظفار، وفي القلب منها صلالة العامرة بحضورها الدافق بالجاذبية، ما فتئت أيضا تمثل، وبامتياز، بوابة عمان على المحيط الهندي ورابط الوصل الجاذب ما بين السلطنة وساحل شرق إفريقيا، ومعبرا ومحطة راحة وزوادة للقوافل المتحركة على طول جنوب شبه الجزيرة العربية.
صلالة بتواجدها في القلب السياحي النابض للسلطنة، المصنفة بأنها الوجهة السياحية الأسرع نموا في الشرق الأوسط، استطاعت بفضل غنى غطائها النباتي المتوج بأشجار اللبان، أن تستفرد في عام 2000 بحيزها كاملا ضمن قائمة مواقع اليونسكو للتراث العالمي، باعتبارها موقعا مميزا للتراث التاريخي الفريد لشجر اللبان. كما أتاحت لها غزارة تساقطاتها وأجواؤها الاستوائية الدافئة المائلة إلى الاعتدال (بمعدل 26 درجة)، ضمن محيط تغلب عليه الطبيعة الصحراوية الجافة، إنتاجية وفيرة من فواكه الموز والباباي والنارجيل الاستوائية أو ما يعرف عموما بجوز الهند الموجه في جزء منه للتصدير.
تميزها الطبيعي جعلها أيضا موطنا خصبا لشجر “البُوحِبَاب أو “الباوباب” النادرة التي يصل قطر جذع البعض منها إلى عشرة أمتار بأغصان قليلة الأوراق ملتفة عند الأفق، تحتوي ثمارها، التي تؤكل ويستخلص زيتها، على الكثير من الحبوب، ما يفسر تسميتها العربية بـ”بو حِباب”. هذا الغنى الطبيعي جعلها، برأي الفاعلين البيئيين ومحبي الطبيعة، منطقة برية محتضنة لفصائل وحيش عادة ما تتواجد في إفريقيا كالفهود والضباع. وفي علاقة صلالة بالماء حكاية أخرى توثق لعدد من منابع العيون المحيطة بها والمتواجدة على مشارفها بمسافات متفاوتة، بعضها يتدفق شلالات وأخرى جداول متفرقة، منها عين “رزات” و”عين صحنوت” و”عين جرزيز” و”عين حمران” و” عين ووادي دربات”.
وتتيح صلالة المدينة، المعتقة دروبها بتاريخ ممتد في الزمن، هويتها المعمارية والثقافية لزوارها بصدر رحب من خلال جملة من المعالم التاريخية من حصون وقلاع كحصن طاقة الذي يعتبر من أشهر القلاع في إقليم ظفار، وأجملها في السلطنة، كان في الأصل مسكنا لزعيم عشائري قبل أن يصبح حاليا فضاء لمتاحف توثق لجوانب من الحياة الثقافية والاجتماعية للعمانيين قديما، وأيضا قرية سمهرم التراثية، وهي ميناء يعود لآلاف السنين، إلى جانب عدد من المزارات الدينية كجامع السلطان قابوس وجامع الرواس ومقام النبي أيوب وضريح النبي عمران. وتشتهر صلالة أيضا بحضورها التجاري المنفتح على العالم من خلال ميناء صلالة الذي استطاع منذ افتتاحه في نونبر 1998 تأكيد فاعليته وأهمية ارتباطاته بباقي موانئ بلدان العالم، ليصبح في ظرف وجيز مركز استقبال للحاويات من الدرجة الأولى على بحر العرب.
أما “مهرجان صلالة السياحي”، الذي انطلقت فعالياته يوم 11 يوليوز وتستمر إلى غاية 22 غشت، والذي ينفتح على ثقافات العالم ويتيح للآخرين فرص الانخراط في العمق الثقافي والتاريخي والاقتصادي للسلطنة، فيجدد سنويا تأكيد التقائية الثقافة بالتاريخ والسياحة ورفاهية العيش والتطلع إلى كتابة تاريخ إنساني مشترك أساسه التعايش والتلاقح والانفتاح على الذات والآخر.
وقال خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، الذي حل ضيفا على التلفزيون العماني بهذه المناسبة، إن مهرجان صلالة السياحي له صدى دولي وتأثير ثقافي عميق على المنطقة ككل، بفضل الإبداعات التي عبرت عنها مجموعة من الفعاليات، وهو أمر مهم خاصة في ظل الظرفية الدولية الراهنة.
وأكد الإدريسي أن مهرجان صلالة ينتج خطابا سلميا وثقافيا، معتبرا أن ” الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤلف بين القلوب ويؤثر في الشعوب هو الإنتاج الثقافي، فعندما يكون هناك مهرجان من هذا الحجم يعني أن هناك رغبة في بناء حضارة وثقافة قوية في المجتمع”