نبش في الذاكرة من مرحلة المراهقة إلى السنوات الاولى بالجامعة مابين سنوات 1995 إلى 2003 في محاولة للاستقطاب.
د.يوسف الشفوعي
خبير مجال الشباب و العمل الجمعوي
حاصل على الدكتوراه في القانون العام و العلوم السياسية
في خضم استعراض العضلات و التسخينات بالشارع العام التي تقوم به جماعة العدل و الاحسان تزامنا مع المظاهرات المنددة بالوضعية اللاإنسانية التي يعيشها سكان غزة بفلسطين الجريحة و التي تبقى وصمة عار في جبين الانسانية، و في خضم السياق العام و المنحنى الخطير الذي أخذه الموضوع في التجييش ضد ثوابت الأمة المغربية و خلط الاوراق و محاولة تسجيل ضد المرمى بطريقة (بوحدوزية) في وقت يتطلب الحيطة و الحذر في سياق دولي يعرف التفاف الدول حول مصالحها و اعلان ذلك علنا ،إلا أن البعض منا اختار الجنوح نحو الفتنة و التفرقة و التجييش الغير المقبول في سياق دولي يتطلب جبهة وطنية قوية و الالتفاف حول “التمغرابيت” و المغرب كفضاء يضم الجميع قطع أشواط كبيرة في عدة مجالات و اكيد هناك تدافع سياسي و اجتماعي صحي مقبول في حدود عدم المس بثوابه الأمة المغربية التي توارثناها من الأجداد.
و هنا ارجع إلى سن المراهقة في سن الرابعة عشر من عمري حيث كانت بدايات اكتشاف المحيط و المجال، حيث كنت اسافر إلى مدينة جرادة عند خالي رحمه الله الذي استقر كعامل بمنجم الفحم، فمن خلال زيارتي الصيفية من خلال شباب الحي اقراني تمت دعوتي لجلسة للذكر كانت استكشافية آنذاك بموافقة احد أبناء الجيران، و كانت أول مرة اعرف ان هناك جماعة اسمها ” العدل والاحسان” بمفهوم سطحي و ظاهري دون الخوص في تفاصيل لأنني ضيف صغير السن. خلال مرحلة الإعدادي و بداية الثانوي ، و للتوضيح فالوسط الاسري الذي انتمي اليه وسط محافظ من اب رجل تعليم و حافظ للقرآن و واعظ و جدي فقيه و محفظ و منتمي للزاوية التيجانية بالسهول ضواحي مدينة سلا، خلال تنقلي بين المدرسة و المنزل كنت دائم التردد على منزل جدتي و خالاتي “بسهب القايد” الحي الصفيحي المعروف بسلا ، خلالها تعرفت على زملاء الدراسة حيث تمت دعوتي لحضور جلسة للذكر على اعتبار انني كنت مجود للقرآن و خريج “المسيد” عند جدي و ابن أسرة محافظة، لم اتردد ولو للحظة لقبول الدعوة ، حضرت الجلسة ترأسها شاب اكبر منا في العشرينات من عمره لازلت اتذكر ملامحه بلحية قصيرة و لون وجه داكن ، و حماس كبير لتأطيرنا، حيث تمت قراءة سورة من القرآن و اخذ الكلمة للموعظة و التوعية و غيرها من الأمور التي كانت مقبولة بحكم انني كنت مستأنسا بها في بيت والدي و جدي في مناسبات دينية عديدة، في لحظة لمحت ذاك الشاب يخرج سبحة خشبية و يحملها بيد يديه، فهممت لإخراج سبحتي من جيبي على اعتبار انني كنت ارافق جدي لحلقات الذكر بالزاوية التيجانية مساء الجمعة عندما كان يزورنا في بيتنا، فإذا بحركات وجه جليسنا يتبدل و بلغة صارمة خاطبني قاليا ” ماتعرفش حقها ماتبقاش تهزها ، و ماشي اي واحد يهز سبحة، انا ما خديتها حتى وصلت لدرجة كبيرة” أثار الأمر في نفسي تذمر و امتعاض مع خجلي عن الرد عليه أو السؤال لماذا او الاحتجاج او الانسحاب او غيرها من ردود الفعل الآنية، بعدها دخل في فقرة الأحلام و الرؤى و يسأل السابقون و القدامى في الحلقة هل رأى منهم احدا حلما او رؤية مع التذكير ان جميعنا مراهقين و يافعين و هو البرنامج في العشرينات من عمره، ثم اختتم الحلقة بقراءة سورة العصر و شرحها و الدعاء و انصرف الجمع، في الباب قررت أن تكون الاولى و الأخيرة احتجاجا على طريقة تعامله معي حول السبحة ، أخذ زميلي الذي اقترح علي الالتحاق بالحلقة وكان في عمري و مكلف بالتعبئة لإحضار كل مرة مشاركين جدد، حاول اقناعي بأن الأمر عادي لكنني رغم صغري لم استصغ الطريقة و كيفية تمجيد الشخص و نحن في مستوى اقل عن ماهو اكبر و أعلى في هرمية الجماعة، من باب الفضول كنت في لقائي مع بعض الزملاء استقصي بعض الاخبار و المعلومات ، إلى ان وصلت الجامعة و بالتحديد كلية الحقوق بسلا الجديدة، فكان مجال اكبر لاكتشاف مجالات اخرى و كان فصل جديد من الاحداث مع طلبة العدل و الإحسان ، بحكم ان الكلية جديدة و نحن فوجها الاول و كانت حديثة العهد ، قامت مصلحة التنشيط بدعوة عدد من الطلبة لتنظيم حفل فني و تاطير الطلبة و خلق دينامية ثقافية في الكلية ، حيث بدأت التحضيرات إلى ان التقيت بأحد الزملاء المشاركين حيث طلب مني الالتحاق بالمجموعة و إمكانية افتتاح الحفل بقراءة القرآن على اعتبار انني مجود و مرتل للقرآن ، فقبلت بدون تردد و التحقت بالمجموعة، بالموازاة بدأت تظهر معالم تحركات الفصائل التقليدية بالكلية لاستقطاب الطلبة و على رأسها اتحاد طلبة المغرب الذي كانت تسيطر عليه الجماعة كغطاء لولوج فضاءات الطلبة ، كان حماس المجموعة المنظمة كبير و جدي حيث اجرينا الحفل الاول في ظروف عادية، و قررنا إجراء حفل ثاني و التحضير له بتنسيق مع الادارة، و استدعاء عدد من الفعاليات ، و نحن على مشارف انطلاقة الحفل اذا بمجموعة من الطلبة المنتمون للجماعة يخترقون القاعة و يوقفون الحفل لا لشيء الا اننا في نظرهم نمثل الإدارة و ننتمي إلى المخزن و أننا مخترقون، و أننا نشجع على الانحلال الأخلاقي و عدة مبررات جعلوها أرضية لنسف الحفل الطلابي، حقيقة لم استسغ الأمر و تكونت في نفسي غصة لكون طلبة في نفس عمرنا قد نختلف لكن لماذا هذا الحقد و التفكير البعيد عن الواقع ، و انا اتحدث عن تقريبا سنة 2001 و 2002 ، كانت فرصة لي للبحث عن مكنون الجماعة و اتباعها و استقصاء عدد من الأشخاص لمعرفة منطق الجماعة و بالمقابل كنت شاهدا على كيفية التأثير على عدد من الطلبة و التغرير بهم و جعلهم اتباع لتحقيق مطالب و جعلهم دروع بشرية أمام السلطات و الامن في العديد من المظاهرات و الاحتجاجات في الشارع العام أو داخل الكلية، كنت أحاول اقناع عدد من الزملاء او المعارف من عدم جدوى الانسياق وراء اهواء أناس لهم اجندات اكبر من النضال على المطالب الاجتماعية التي هي فقط مطية لمشروع اكبر لمشروع ما يسمونه بالخلافة، بعد سنوات من مغادرة أسوار الكلية و ركوبي سفينة العمل الجمعوي حيث تمكنت من الاندماج و الحصول على فرصة ثانية و اخذ مكانتي و إيماني بمشروع العهد الجديد آنذاك ، أصبحت محط انظار عدد من هؤلاء الشباب الذين كانوا يتابعون خطواتي بحكم انتمائهم لمنطقة جغرافية نلتقي بها و نتقاطع فيها بين سبب القايد و حي السلام و حي الانبعاث و العيايدة بحمولتها الشعبية و بنيتها الشابة. لقد كان لانتماء عدد كبير من الطلبة و الشباب للجماعة عواقب بعد اكتشافهم لبعض الحقائق او محاولة اندماجهم حيث أصبحوا اسيري فكر استئصالي رغم هروبهم منه لازال يطارد بعضهم إلى اليوم.
ان حديثي عن تجربة شخصية لمرحلة مبكرة من شبابي و قصيرة لكنها تركت أثرا جعلني اكتشف مبكرا عدد من الأمور و الانسحاب بلا خسائر ، بل و النجاح في اختراق عالم كان مليئ بالتحديات و جعل همي و رسالتي تأطير الشباب و مواكبتهم و الذوذ بهم عن أي مطبات تؤخر اندامجهم الكامل في وطنهم ، و التشبع “بالتمغرابيت” التي رضعناها من أمهاتنا مع التأكيد على اننا نعيش عدد من الاكراهات و مطبات الحياة و المد و الجزر في التدافع الديمقراطي الذي يرضي أطراف و يؤجل حلم أطراف للوصول للسلطة في ظل ثوابت الأمة الحقة.
لذلك اقول و أكرر انه يجب الحرص على نقل قيم التمغرابيت للاجيال الصاعدة و جعلها غاية الغايات و ما دونها تفاصيل يمكن الرجوع إليها بعد الانتهاء من قضايا العادلة، لأننا في زمن تتنافس فيه الأمم على تثبيت هويتها و تعزيزها و الافتخار بها