مراسلون 24 – ع. عسول
أجمع مختلف المتدخلين ؛ مفكرين ومثقفين من داخل وخارج الوطن ؛ على ” أن ما يجمع بين الشعوب المغاربية أكثر مما يفرقها بكثير ؛ وأن هذه الشعوب تلاحمت وانصهرت في هوية مشتركة تمكنت عبر التاريخ الطويل من استغلال تنوع ثقافاتها فيما يخدم وحدتها وتعاضدها وتآزرها خصوصا أمام المستعمر ” .
وشدد المتدخلون المشاركون في الندوة العلمية التي نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني بسلا يوم أمس الخميس في موضوع” المغرب والجزائر رهان على مستقبل مشترك”؛ شدد المتدخلون على أهمية دور المجتمع المدني ودور المثقفين والإعلام في هذه المرحلة الخاصة والحرجة؛ على إبراز كل العناصر و أنماط العيش المشترك التي جمعت شعوب المنطقة المغاربية سواء في المغرب أو الجزائر او تونس وموريتانيا وليبيا؛ على مستوى التقارب الجغرافي والديني واللغوي والثقافي و الصوفي والطرائقي وأيضا على مستوى حركة التحرير ومقاومة المستعمر .
كما يبرز دور المثقفين والمجتمع المدني في تخفيض منسوب التوثر بين الفاعلين السياسيين وصانعي القرار السياسي ؛ ونبذ خطاب الكراهية الذي تغذيه بعض الجهات الخارجية التي ليس من مصلحتها مد أسس التعاون والوحدة والتكامل بين شعوب المنطقة .
وفي هذا الباب استعرض الباحث في علم الاجتماع الجزائري منصف راجعي مختلف مظاهر التصوف التي عرفتها بلدان المغرب والجزائر وتونس ؛ والتي تميزت بالإمتدادات التي كانت بين المغرب والجزائر بالخصوص لبعض الزوايا والطرق الصوفية كالجزولية والدرقاوية والدلائية والمشيشية والمذهب المالكي ؛ مما جعل شعوبها لاتشعر بوجود حدود ترابية ؛ بعدما جمعتها هذه الزوايا في بوثقة واحدة..لدرجة أنها كانت تعتبر نفسها سليلة الأشراف مما يبعدها عن أي خلافات وعداوات لحظية ؛ أو كما سماه الباحث راجعي ” أن الخلافات السياسية سطحية بينما عمق الشعوب المغاربية يبقى متماسكا ومنصهرا “.
وسجل الأستاذ الباحث في علم الإجتماع بجامعة مستغانم ، منصف راجعي، إن المخيال المجتمعي الجزائري يحمل الذاكرة المغاربية في عمقه بل ويعتبر أن أصوله من صحراء المغرب.
وأوضح الأكاديمي الجزائري، في كلمته ، بأن مواطنيه، يتداولون فكرة الأصول من الناحية الأنثروبولوجية، بحيث يعتقد أغلب الجزائريين أن أصولهم من الساقية الحمراء جنوب المغرب”؛ مذكرا بما سبق وأن قاله له أحد المواطنين الجزائريين إثر إندلاع حرب الرمال بين البلدين ” كيف للأشراف أن يواجهوا بعضهم بعضا” ..
من جهته ركز عالم الإجتماع المغربي ادريس بنسعيد على أن ما ينبغي استحضاره لمواجهة تعقيدات والآثار السلبية لهذه الأزمة ؛ هو الإهتمام بفئة الشباب في البلدان المغاربية كونها تشكل الأغلبية وتمثل المستقبل ، وتبقى اهتماماتها الحالية موجهة لقضايا الهجرة والشغل وتحقيق الذات؛ ولا تهتم بالتالي بالمشاكل السياسية، مما يتطلب من المثقفين والإعلاميين تقريب وتبسيط كل مايجمع هذه الشعوب ونقط قوتها وإبراز الخسائر التي قد تنجم عن هذه الأزمة وتبعاتها “.
الإعلامي والمفكر التونسي منصف السليمي رئيس المؤسسة المغاربية الألمانية للثقاقة والإعلام ” استرجع جزءا من حياته ونشاطه الصحفي والطلابي بالمغرب ؛ مسجلا أن تاريخ البلدين الجزائر والمغرب على الأقل في الحقبة بعد الإستقلال كان عبارة عن قطع للعلاقات وحروب ونزاعات حدودية وفترات توثر وجفاء ؛ واقع استمر وتراكم للأسف ليصل الآن لحد القطيعة الديبلوماسية التي لم تترك أي قناة للتواصل!! ”
واعتبر السليمي ” أن هناك سيناريوهات قد تكون مخارج لهذه العلاقة والأزمة المركبة؛ قد يشكل المزيد من التصعيد والدخول في مواجهة محدودة أو واسعة سيناريوها الأول وهذا سيناريو جد مكلف لشغوب المنطقة سيكون من العبث والجنون سلكه ؛ أوفي سيناريو ثاني يستمر الوضع على ماهو عليه ويبحث كل طرف عن القيام بما يضرب مصالح الطرف الآخر مما يراكم جوا من التوجس والقلق والتخندق في حرب باردة وقطبية جديدة تدفع لمزيد من التسلح..!!”
وفي بحثه عن حلول ممكنة ” ثمن السليمي إطلاق سيرورة مبادرات المجتمع المدني مثل ما تقدمه اليوم مؤسسة الفقيه التطواني بسلا ؛ لتجشيع مسارات دعم التقارب ونبذ خطابات الكراهية وإبراز خطر المواجهة ومزايا التكامل والإندماج المغاربي؛ ودفع الفاعلين الاقتصاديين في البلدين لقول كلمتهم وعدم الرجوع للخلف وترسيخ البناء الديمقراطي ؛ دون تدخل في الشؤون الداخلية للآخر..”
في المقابل استبعد نورالدين بوشكوج الأمين العام السابق لإتحاد البرلمان العربي ؛ بشكل قوي سيناريو الحرب ؛ حيث أن لا الظروف الدولية والعربية والمغاربية تسمح بذلك؛ كما أن كلفتها تساوي الخراب …
واقترح المتدخل حلولا بديلة باعتبار أن الطرفين لا يمكن اتخاذهما المبادرة حاليا في ظل هذا التوثر.
وسجل بوشكوج أننا في الظرف الراهن ؛ نفتقد لزعامات لفرض أو السعي لوساطة قوية سواء بأوروبا أو في العالم العربي حيث حسب تعبيره تآكل دور الزعامات التقليدية؛ لكنه رغم ذلك تفاءل بدور خليجي في توفير شروط الحل ..فلا مصلحة في استمرار وتصعيد النزاع؛ ورجح المتحدث اتخاذ كل من خادم الحرمين ؛ وملك الاردن و أمير قطر لمبادرات في هذا الاتجاه مؤكدا أن ذلك ربما قد يستغرق مدة من الزمن.
وشدد بوشكوج أن هذه الوساطة إذة ما تمت تتأسس على مبدإ عدم المساس بالشؤون الداخلية لكل بلد ؛ معتبرا أن مشكل الحدود تم حسمه في اتفاقية سابقة تم المصادقة عليها ؛ واحترام اختيارات كل بلد السياسية والإقتصادية والإجتماعية؛ مع ضرورة احترام الجزائر لسيادة المغرب الترابية ..ووضع خطة مشتركة لإنماء اقتصادي للمناطق الحدودية والجنوبية ..وخلق مناطق للتكامل الاقتصادي (نموذج مناجم الحديد)؛ إضافة لإنجاح ورش الديمقراطية ..فنحن في المحصلة “شعب واحد في دولتين” ؛ يختم بوشكوج..
من جهته تناول الإقتصادي حسن العرافي أزمة العلاقة الطويلة بين البلدين من جانب فرص التنمية المتاحة الكبيرة والخسائر الفادحة الناجمة عن هذا العداء المجاني .
وبلغة الاقتصادي الخبير ؛ اعتبر العرفي أن هناك خزان مهم بين البلدين من الطاقات والكفاءات البشرية أو ما يسمى الإقتصاد اللامادي ..
وسجل المتدخل أن التبادل بين الدوليتين يعد أقل تبادل تجاري بأفريقيا …كما يخسر البلدين سنويا 60مليار دولار سنويا في ظل عدم الاندماج الإقتصادي..
وفي دراسة لصندوق النقد الدولي حول الإندماج أفادت أن هذا المسار يعطي نقطين سنويا لي نمو و كل نقطة تعطي 30 ألف منصب شغل ..
وطالب العرفي بضرورة توفر صانعي القرار على رؤية استشرافية حديثة لتطوير العلاقات ؛مسجلا أن هناك متربصين ممن ليس لهم مصلحة في بلورة وإرساء اتحاد مغاربي قوي وموحد ؛ والذي تتوفر له كل فرص النجاح والتطور ؛ من أهمها سوق استهلاكية كبيرة ومساحة مهمة ، ومؤشر ديمغرافي مرتفع ،إضافة للتنوع الجغرافي وتنوع الثروات والإيكو- سيستيم ..والليتورال الذي يضمن لوحده جلب استثمارات مهمة لقطاع السياحة ..
ينضاف لها التجربة الصناعية المهمة في الجزائر ..ونمو القطاع السياحي بالمغرب وتونس ..مشددا أن إنجاح هذا المشروع الوحدوي وتغليب المصلحة المشتركة؛ هو مسؤولية تاريخية وأمانة في عنق صانعي القرار لاستحضار المصلحة الفضلى للأجيال الحالية والقادمة” .
وخلصت الندوة إلى تعميم نداء للتوقيع من خلال منصة الكترونية يشمل مثقفي البلدين وفعاليات المجتمع المدني المغاربي بهدف الإنتصار لمبادرة رأب الصدع في العلاقات بين المغرب والجزائر؛ وتنظيم لقاء مقبل بين مثقفي البلدين ضمن سلسلة لقاءات تسعى لترسيخ إعادة الثقة وحسن الجوار والتكامل ؛ لأن مستقبل أجيال المنطقة رهين بما نفعله اليوم ..
يذكر أن مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب كانت قد ثمنت في بلاغ سابق لها بعنوان ” نداء اليد الممدودة ..من أجل تشكيل جبهة مدنية لرأب الصدع بين الجزائر والمغرب” ؛ كانت المؤسسة قد ثمنت عاليا المبادرات الملكية بخصوص الأزمة مع حكام الجارة الجزائرية؛ التي غلّبت صوت الحكمة والتبصّر والجنوح إلى السلم، خاصة منها روح ومنطوق خطاب العرش الأخير.