مراسلون 24 – ع.عسول
أجمع أكاديميون وخبراء مختصون في الشأن الإجتماعي على أن الإتفاق الإجتماعي الذي جمع الحكومة والنقابات وأرباب العمل ؛ إيجابي في السياق والظروف التي تم فيها؛ لكنه اتفاق جاء بمخرجات تتطلب التفعيل والتجويد.
جمال أغماني وزير شغل سابق واستشاري خارجي لدى منظمة العمل الدولية؛ أكد في تقييمه لمخرجات الحوار الثلاثي الأطراف ؛ أن أي حوار اجتماعي يتضمن أخذا وعطاء بفعل إكراهات كل طرف خصوصا في هذه الظرفية الصعبة ؛ لكون أي مطلب له تكلفة .
٩وسجل أغماني الذي كان يتحدث في ندوة علمية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني في إطار برنامجها ” السياسة بصيغة أخرى “؛ تحت شعار ” أحبك ياوطني ” حول موضوع (مأسسة الحوار الإجتماعي ركيزة النهوض بالعمل اللائق ) مساء يوم الثلاثاء 10 ماي بسلا..؛ سجل أغماني ؛ أن الإتفاق الأخير في مجمله جاء بعدد من النقط الإيجابية ؛أهمها ميثاق مأسسة الحوار الإجتماعي والتنصيص على إصدار قانون لذلك ؛ معتبرا أن المغرب مؤهل لهذا المكتسب القانوني ؛ لكنه سجل أن ملاحظات تفرض نفسها في التفاصيل .
فمثلا زيادة 10 % في الحد الأدنى للأجر بالقطاع الخاص ؛ مشروطة في شطرها الثاني بتعديل مدونة الشغل؛هذه الأخيرة التي تتطلب في نظره موضوعيا ومنذ 2004 التعديل لأنها لم تعد تحمي حتى العمال والعاملات.. أيضا رخصة الولادة للأب لمدة 15 يوما لم تشمل القطاع الخاص؛ علما أن تفعيلها يتطلب كلفة !.
من جانبها شددت الجامعية والناشطة في الحركة النسائية أميمة عاشور على ميثاق مأسسة الحوار الإجتماعي ؛كنقطة مهمة وإيجابية في ضمان دورية الحوار والنقاش الإجتماعي وإرساء التوزانات الإجتماعية بما يحقق مصلحة المجتمع بكافة مكوناته والدولة .
نقطة ثانية إيجابية وقفت عليها عاشور ؛ وكانت بمثابة حلم للحركة النسائية تتعلق بتمتيع الأب برخصة الولادة ولو بمدة 15 يوما؛ حيث تأتي كمدخل لخلق التوازن داخل الأسرة ؛ وتحقيق لمبدإ المساواة وتقاسم الأدوار؛ معتبرة أنها أيضا ستشكل مدخلا لتعديل مدونة الأسرة والمدونة الجنائية؛ ومدونة الشغل ؛ وتفعيل للمادة 183 لحماية الأبوة .
عاشور توقفت على ضرورة رفع التمييز فيما يتعلق برخصة الأب المطلوبة في سفر الأم والإبن ؛ والولوج على قدم المساواة للتعويضات العائلية وملفات المرض؛ ولفرص العمل؛ في انتظار توسيع الولوج للحقوق من خلال ورش الحماية الإجتماعية ؛ مما سيكسر الأدوار النمطية ويخلق ثقافة المساواة .
أما محمد طارق أستاذ القانون الاجتماعي جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء؛ فقرأ الإتفاق الإجتماعي من زاوية تفاؤل وتحفظ؛ على خمس مستويات.
التفاؤل الأول هو قدرة الحكومة على إنجاح الحوار الاجتماعي في سياق دولي صعب لا تستطيع تحمله العديد من الحكومات؛ في سياق مديونية قياسية و عجز الميزان التجاري و 20 % من تدني القدرة الشرائية ؛ متسائلا في ذات الوقت عن إكراه ضمان سلاسل التوريد وهل سترجع لطبيعتها العادية؟.
كما أبدى ذ. طارق تحفظا آخر على مستوى التزام المقاولة المغربية بالحد الأدنى للأجر حيث أن هناك قطاعات لاتزال في الإنعاش .
بخصوص القطاع العام هناك تفاؤل من خلال إلغاء السلاليم الدنيا ؛ لكنه اعتبر أن الإدارة العمومية فيها طبقات أخرى متوسطة والتي تتضررت كثيرا.
كما أن نسبة نشاط المرأة تتراجع فمن بين 10 نساء هناك اثنتان فقط تشتغلان وهذا مشكل حقيقي يدعو للتحفظ.
في القطاع الخاص يقول ذ.طارق ؛ هناك مجهود ؛ لكن هل ستكون المقاولة قادرة على للوفاء بالتزاماتها عند موعد تحضير قانون المالية و مراجعة مدونة الشغل ؟.
فيما يخص مأسسة الحوار ؛ سجل المتحدث أنها انطلقت مع الخطاب الملكي وأبدى فيها المجلس الاقتصادي رأيه ؛ فهي تأتي في سياق تراكمات وليست هذه الحكومة أول من بدأ نقاش هذه المأسسة؛ بل منذ سنة 96 ونحن نتكلم عن السنة الإجتماعية…
المأسسة مهمة لكنها وثيقة توافقية وحين إصدارها كقانون تصبح ملزمة…
الإصلاحات التشريعية ومراجعة مدونة الشغل أمر جيد يقول ذ. محمد طارق؛ من خلال تحديثها والحفاظ على مكتسبات العمال ؛ وترتيب الأولويات لكن في المقايضة بين مكونات الأطراف الثلاث قد تظهر خلافات في التفاصيل كقانون المالية ؛ قانون الإضراب و قانون النقابات..
عبدالرحيم الرماح برلماني سابق وفاعل جمعوي؛ أكد أن الحوار الإجتماعي ينبني عن علاقة السياسي بالإجتماعي؛ مسجلا أنه كان طبيعيا أن يتم الاتفاق من الناحية السياسية وكان سيكون خطأ إن لم يتم..
الرماح سجل أن هناك تراكمات سابقة حصلت وأن الحكومة مسؤولة كمدبرة للشأن العام والمشغل معني بالمسؤولية الإجتماعية والنقابات كقوة اقتراحية؛ وكل هذه الأطراف تربطها اللحمة الوطنية ، معتبرا أن جميع الإتفاقات السابقة منذ فاتح غشت 96 متقاربة حتى في الصياغة..
الاتفاق الحالي خطوة أولى تتطلب التطوير ووضع إطار قانوني لمأسسة الحوار الإجتماعي مما يقتضي أجراة الحوار الثلاثي بمواعيد ونتائج محددة وتفعيل الحوار القطاعي كوسيلة لتقوية الإقتصاد والحوار على مستوى الجهات والأقاليم وإبرام الإتفاقات الجماعية وتنزيل الحوار داخل المقاولة وإرساء لجان المقاولة والصحة والسلامة ومندوبي العمال؛ وسن تدابير لحماية الحريات نقابية حيث أن ٤.٣% منقبين فقط من فئات نشيطة في إحصاء للمندوبية السامية !
الرماح أكد أن تعديل مدونة الشغل هو في صالح الطبقة العاملة وليس العكس ؛ ويجب أن يراعي مصلحة المقاولة والعمال و أن يكون متوافقا عليه بما يضمن شروط العمل اللائق؛ أما قانون الإضراب والنقابات فنقاشه مغلوط ؛ وإنجاح هذه الملفات يتطلب التوافق ؛ مسجلا أهمية ربط المسؤولية بالمحاسبة وخلق أكاديمية التكوين ؛ وهي كلها نقط إيجابية لكن يبقى الأهم هو التفعيل؛
محمد جدري مدير مرصد العمل الحكومي؛ توقف بدوره على السياق العالمي الخاص الذي يندرج فيه الاتفاق الاجتماعي وسياسيا بكون الحكومة جديدة تحملت المسؤولية منذ ستة أشهر واستطاعت التوصل لاتفاق اجتماعي ؛ بإرادة مشتركة للأطراف الثلاثة.
واعتبر المتدخل أن الإتفاق في مجمله مقبول في حده الأدنى ؛ لكونه استهدف ذوي الدخل المحدود وبمخرجات محدودة؛ أملتها توازنات الحكومة ؛ ونقابات أبدت حسن نية في ضمان انطلاقة إيجابية للحوار الإجتماعي في انتظار مأسسته ليتحول إلى قانون.
جدري اعتبر أن حضور المجتمع المدني في مخاض الحوار الاجتماعي يمكن أن يشكل إضافة نوعية كقوة اقتراحية؛ وأن هناك ملفات ذات أولوية يجب أن تنكب عليها الحكومة منها إصلاح صندوق المقاصة وعقلنة الدعم؛اصلاح المنظومة الجبائية وتوسيع وعاء الإعفاء حفاظا على قدرة الفئات الدنيا والمتوسطة.. والقيام بإصلاح حقيقي لأنظمة التقاعد .
ويأتي تنظيم هذه الندوة حسب كلمة لرئيس المؤسسة أبو بكر التطواني؛ إيمانا واقتناعا من مؤسسة الفقيه التطواني بأن الحوار هو أحد الأدوات التي تعزز الطريقة المسؤولة عن العيش بسلام وتحقيق الأمن، كما يعتبر أهم عنصر في حل المشكلات والصراعات وترسيخ قواعد السلم الإجتماعي .
كما تندرج الندوة في سياق توقيع اتفاق اجتماعي بين الحكومة والنقابات والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب ،والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية هذا الاتفاق الذي تضمن العديد من الإجراءات تهم الطبقة الشغيلة في أوضاعها المادية والإجتماعية..
أيضا تأتي هذه الندوة لتقديم عناصر هذا الإتفاق وتحليل مضامينه من زاوية مختصين وباحثين في الشأن الاجتماعي .ومن بين أبرز محاور هذه الندوة مفهوم الحوار الإجتماعي وتجليات مأسسته كثقافة مستقرة في العمل الحكومي ، وتقييم آثار مخرجات اتفاق 30 أبريل على الطبقة الشغيلة ،والبعد الإجتماعي الخاص بالحياة الأسرية، ،إضافة الى القضايا المرتبطة بالتشريعات ذات الطابع الإجتماعي والنقابي..