مراسلون 24 من الرباط
كشفت دراسة نشرت مؤخرا في مجلة “اتجاهات سياسية”، التي يشرف عليها المركز الديمقراطي العربي ببرلين، أن الإرهاب أصبح يتمدد مؤخرا بإفريقيا بشكل غير مسبوق، وذلك بعدما تمت محاصرته في مناطق أخرى، خاصة في الشرق الأوسط، ثم بسبب الضربات التي لحقت به في السنوات الأخيرة المتمثلة في مقتل عدد كبير من قياداته على يد القوات العسكرية الأمريكية. وهو ما أكده التقرير الإيطالي الخاص بسياسة أمن المعلومات لسنة 2022 الذي نشرته الوكالة الإيطالية للاستخبارات يوم الثلاثاء 28 فبراير الماضي.
وبحسب الدراسة التي أنجزها يوسف الهيشو، باحث في الدكتوراه من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ونشرها المركز، فإن الأسباب وراء هذا التغلغل تكمن أساسا في الطبيعة الجيو-سياسية والاقتصادية لإفريقيا، خاصة منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، في إشارة إلى الوضعية المتشابكة والمعقدة للمنطقة التي ساهمت في انتشار عدد كبير من الجماعات الإرهابية، وهو ما يعكس في دلالاته تقاعس وفشل الاستراتيجيات الدولية والإقليمية للتصدي للإرهاب، الشيء الذي ينذر بتمتع الجماعات الإرهابية هناك بقدر كبير من الهدوء والاستقلالية والتفكير لتنفيذ مخططاتها القادمة في ظروف جد مريحة وآمنة، خاصة على مستوى التوسع والانتشار والتنسيق مع شبكات الإجرام والاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر.
ولفت الباحث الانتباه إلى أن المغرب بصفته منتميا إلى إفريقيا، فإنه بات يشكل استثناء فيها على الرغم من التداعيات الخطيرة لاحتمال تحالف هذه الجماعات مع ميلشيات البوليساريو وتآمره معها من خلال تسهيل عملية عبور الانتحاريين عبر تندوف لتنفيذ عمليات إرهابية من شأنها زعزعة استقرار المغرب وضرب أمنه القومي الداخلي، فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد احتمال فقط، وإنما أشارت إليه مجموعة من الدراسات الجيو-استراتيجية والتقارير الأمنية والاستخباراتية والأبحاث الخاصة بقضايا الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء الكبرى، ناهيك عن النجاح الذي حققه المغرب في التصدي للإرهاب داخليا ومساهمته الفعالة في إنجاح الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، وبالتالي في استتباب الأمن القومي العالمي.
وعلل الباحث مسألة إمكانية التحالف بين التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل وميليشيات البوليساريو والتجنيد بمخيمات تندوف من خلال فقدان هذا الكيان لقوته، سواء على المستوى الداخلي حيث ينذر بانقسامات سياسية وإيديولوجية في صفوف قياداته، ثم من خلال تردي أوضاع حقوق الإنسان وانتهاكاتها الجسيمة، أو على المستوى الخارجي حيث اتضح للمنتظم الدولي أن هذا الكيان يهدد الأمن والسلم العالميين، ويوفر ما أسماه الباحث “بيئة حاضنة للإرهاب” تعد أخطر من الإرهاب نفسه.
وخلص الباحث في دراسته الاستراتيجية إلى أن المغرب وحفاظا على استقراره الداخلي وأمنه القومي الذي تنعم به البلاد، والذي يعد من أولوياته الجيو-استراتيجية، فإنه سعى إلى تسخير جميع قدراته الأمنية والاستخباراتية وترسانته القانونية للتصدي لجميع أشكال التهديدات الإرهابية القادمة من منطقة الساحل الإفريقي والصحراء، وذلك بفضل يقظة أجهزته الأمنية والعسكرية، ثم بفضل امتلاكه لقاعدة معطيات هامة حول مختلف التنظيمات الإرهابية الفاعلة بإفريقيا وعناصرها المتطرفة وخطابها الإيديولوجي وامتداداتها الدولية، وأيضا بفضل علاقات الشراكة والتعاون التي تربطه بعدد كبير من الدول، خصوصا على مستوى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث تدرك أهمية الشراكة الأمنية مع المغرب لما يوفره من معلومات دقيقة حول تحركات العناصر الإرهابية، التي بدورها تضرب ألف حساب لقوة الأجهزة الأمنية المغربية التي استطاعت أن تخترق العقل الجهادي وتوقف عددا هاما من الضربات الإرهابية الاستباقية ليس فقط على المستوى الداخلي بل أيضا على مستوى بعض الدول المتعاونة مع المغرب أمنيا، وهو ما أكده التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية.