الرباط : منتدى يدعوا إلى إقرار نموذج رياضي مستدام لتكريس الريادة المغربية وتنزيل الاستراتيجية الرياضية الوطنية عبر ضمن السياسات العمومية وقانون إطار .

مراسلون 24 – م.ع.الإدريسي

مراهناً على تكريس نفسه موعداً سنوياً قاراً انطلق، مساء السبت بالرباط، “المنتدى الوطني الأول حول السياسة الرياضية بالمغرب”، بمبادرة من حزب جبهة القوى الديمقراطية، مع فعاليات أكاديمية ورياضية، ساعياً- وفق المعلن- إلى “نقاش سنوي متجدد يواكب التحولات التي يشهدها القطاع الرياضي، ويسهم في بلورة توصيات عملية وفعالة من أجل وضع أسس سياسة رياضية وطنية ناجعة، تحقق أهداف التنمية، وتكرس مكانة المغرب كفاعل رئيسي في المشهد الرياضي الإقليمي والدولي”.

بكلمة افتتاحية لأشغال المنتدى، استهل مصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية “رمزه الزيتونة”، جلسة الحوار المفتوح ، التي عرفت تناوب 10 متدخلين من تخصصات رياضية وأكاديمية مختلفة، موضحاً أن “المنتدى الوطني فكرة انبثقت من إدراك عميق بأهمية بناء سياسة رياضية مستدامة لأن الرياضة لا تقتصر على الملاعب فقط، بل على مدخل أساسي للتنمية الشاملة”.

وقال بنعلي: “لذلك فكّرنا، إلى جانب حزبيْن وطنيين تاريخيين، في خلق فضاء للحوار التشاركي والتفكير الجماعي حول سبل تطوير الرياضة المغربية، من خلال تشخيص واقعها، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها، واستشراف الآفاق الممكنة لجعلها أكثر تنافسية وانفتاحًا على رهانات المستقبل”.

“رد الاعتبار” لمكانة الرياضة

ينطلق المنتدى، حسب الفاعل السياسي نفسه، من “قناعة راسخة للحزب بأن تطوير الرياضة لا يمكن أن يتم بمعزل عن مقومات الحكامة الجيدة، والعدالة المجالية والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، مشددا على “وعي متنامٍ بدور الرياضة الإلكترونية، وأهمية التكنولوجيا والابتكار في تطوير الأداء الرياضي وتحسين تدبيره، خاصة في أوساط الشباب الصاعد”.

ومن بين ما ختم به بنعلي حديثه في قاعة غصت بالحضور والمهتمين، دعوةٌ صريحة إلى “نموذج رياضي مغربي مستدام، رافعة للتنمية وأساس للريادة الوطنية”، مؤكدا أن المنتدى يطمح “من خلال الجمع بين التفكير الإستراتيجي، الحوار المفتوح، وإشراك مختلف الفاعلين، إلى بلورة سياسات رياضية ناجعة ومستدامة”، معبراً عن ضرورة تحيين الأطر التنظيمية والقانونية، خاصة عبر إخراج “قانون إطار للرياضة” كما هو الحال بالنسبة للتربية والتكوين والاستثمار مثلا.
“جلسة الحوار المفتوح” للمنتدى كانت فرصة لعدد من الفاعلين والباحثين في شؤون الرياضة للإجماع على مطلب “منح الرياضة حجمها المستحق في تدبير الشأن العام، وعدم إلحاقها بحقيبة وزارية مختلفة في كل هندسة حكومية جديدة”.

وفي هذا الصدد استحضر الاستاذ محمد بن الماحي العناية الملكية الشخصية والدائمة بالرياضة والرياضيين، اعتلائه العرش سنة 1999،حيث جعل الملك محمد السادس من الرياضة محوراً أساسياً في سياسة التنمية بالمغرب، إدراكاً منه لدورها الاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي. ويتجلى هذا الالتزام من خلال استثمارات ضخمة في البنيات التحتية الرياضية، وسياسة طموحة لدعم الرياضة عالية المستوى، بالإضافة إلى دور نشط على المستوى الإفريقي والدولي.

كما اشار إلى الخصوصية التي يمتاز بها المغرب والمثمتلة في ايلاء جلالة الملك أهمية كبيرة للبُعد الروحي والقيم الأخلاقية في ممارسة الرياضة، كما تعكسه مقاربته الإنسانية واحترامه للتقاليد ، ولاسيما استقبال الرياضيين مع امهاتهم او تهنئتهم شخصيا كلما حققوا إنجازات قارية او دولية .

كما تجسد الاهتمام الملكي حسب الأستاذ محمد بن الماحي في الارتقاء بالرياضة الى مصاف الحقوق الدستورية والمكانة الخاصة التي اعطيت لهذا الورش الاجتماعي المتفرد، وهي مكانة خاصة لدى جلالته ، منذ سنة 2005. انعقاد المناظرة الاولى حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي تناولت الورش الرياضي وأبعاده .

كما أجمعت العديد من المداخلات، على ضرورة التفكير في إحداث “مختبر” أو “مرصد” يعنى بمكانة الرياضة في السياسات العمومية .

في السياق ذاته أثار عدد من المتدخلين إشكالية “خفوت أو انعدام حضور الرياضة والرياضيين في برامج وانشغالات المؤسسات الدستورية كالمجالس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ والمنافسة والمجلس الاعلى للتعليم ..

وهو الامر الذي أشار إليه عزيز داودة، رئيس اللجنة التقنية الإفريقية لألعاب القوى، الذي قال أمام المشاركين في المنتدى: “رصدنا انعدام الرياضة ضمن التصريح الحكومي لعدد من رؤساء الحكومة الذين تعاقبوا خلال العقدين الماضيين، ما عدا من ذكرها عَرَضيًا أو بألفاظ منمّقة دون سياسة تنفيذية واضحة المعالم والأهداف”.

ودعا داودة، متحدثا من منصة المنتدى، إلى “العناية الفائقة ليس فقط بالرياضيين، لأن 60 في المائة من الإنجازات الرياضية المحققة سببها مؤهلاتهم، بل بالمحيط المباشر للرياضيين وظروف تكوينهم وتداريبهم ومُدرّبيهم، الذي يعزى إليه 40 في المائة من تطوير الأداء وتميّزه”، لافتاً إلى أن “المتعاطين للرياضة وأنشطتها في المغرب في تزايد مهم، لكن في ظل ممارسات عشوائية دون تأطير”، ومؤكدا أن “إسهام المنظومة الرياضية في الناتج الداخلي الخام أكبرُ من مجرد 1,5 بالمائة المصرح بها رسمياً”.

محاور المنتدى
وحسبما تم رصده ، فقد انتظَمت أشغال المنتـدى في “محاور متعددة”، شاملةً على الخصوص قضايا ” المفهوم الملكي الرياضي ” “الحكامة والسياسات العمومية في الرياضة”، و”التمويل والاستثمار الرياضي”.

كما أثار المتدخلون في مداخلات متتالية، من بينهم مسؤولون وخبراء بارزون مثل محمد بلماحي، رئيس الجامعة الملكية المغربية للدراجات، وعزيز داودة، رئيس اللجنة التقنية الإفريقية لألعاب القوى، إلى جانب أساتذة للتربية البدنية والرياضات المدرسية، مسائل ذات راهنية تتمثل في “حقوق الإنسان في المجال الرياضي”، و”التحولات الرقمية وتأثيرها على الرياضة”، و”الرياضة والمناخ”.والالعاب الاليكترونية.

وقد ابرز الاستاذ محمد بن الماحي ان جلالة الملك عمل على إحداث مؤسسة محمد السادس للابطال الرياضيين والتي تقوم بأنشطة ملموسة تهدف إلى الاعتراف بقيمة الرياضيين الذين تألقوا ورفعوا العلم الوطني في الأحداث الرياضية الكبرى كما انها تجسد العناية السامية التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوليها للأبطال الرياضيين السابقين والحاليين من الناحية الاجتماعية ( التطبيب والاستشفاء ومتابعة الدراسة..) وكذا تطوير الممارسة الرياضية بالمملكة.
ويُجسد هذا الموقف، حسب بن الماحي ، مبدأً عزيزاً على الملك: أن الرياضة ليست فقط تفوقاً بدنياً، بل هي أيضاً وسيلة لترسيخ القيم الإنسانية والتضامن والاعتراف بالفضل لمن ساعد في بناء الأبطال. ويتجلى هذا أيضاً في تشجيع الروح الرياضية، واحترام الخصم، وأخوة الشعوب.

بصفته أمير المؤمنين، يحرص الملك محمد السادس على أن تبقى الرياضة في المغرب إطاراً أخلاقياً وتربوياً، يُساهم في تنمية الشباب وانسجام المجتمع. ويُعطي هذا البُعد الروحي أهمية خاصة في سياق مغربي يتميز بتمسكه بالدين والتقاليد
وعلى بُعد أشهر معدودة من انطلاق صافرة مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025 بملاعب المملكة، خصص المنتدى محورًا خاصاً باستضافة التظاهرات الكبرى من خلال مناقشة مدى استعداد المغرب لاحتضان كأس العالم 2030؛ فيما تركزت المداخلات على أهمية ضمان المسؤولين عن الشأن الرياضي الوطني لمعادلة “التوازن المطلوب بين الطموح لاستضافة الفعاليات العالمية والتنمية الرياضية المحلية”.
ووفق معطيات المنظمين، سيتمّ تنظيم زيارات ميدانية للمشاريع الكبرى المهيّأة لاحتضان هذه التظاهرات، والوقوف على مدى جاهزيتها، إلى جانب جلسات (B2B) لتعزيز الشراكات بين الفاعلين الرياضيين، وورشات متخصصة حول “الرياضة الإلكترونية (E-sport) ” باعتبارها قطاعا رياضيا صاعدًا.

ولأنّ الرياضة “ليست فقط أرقامًا وتدبيرًا”، وفق تصور حزب “الزيتونة”، بل أيضًا قصص نجاح وتجارب ملهمة، فإن المنتدى قرر تخصيص “محور لتكريم شخصيات رياضية وطنية ساهمت في الارتقاء بالرياضة المغربية، تقديرًا لمسيرتها وإسهاماتها في تحقيق الإشعاع الرياضي الوطني”.

يشار إلى أن أرضية جلسة الحوار المفتوح المنظمة ضمن فعاليات المنتدى الوطني الأول حول السياسة الرياضية بالمغرب، أكدت أن “نتائج أولمبياد باريس 2024 أبرزت الحاجة الملحة لإعادة النظر في تدبير الشأن الرياضي، حيث أطلق الشارع المغربي، ومعه وفي خضمّه مؤسسات البلاد وقواها الحية، نداءات مطالبة بإطلاق حوار وطني جديد حول مستقبل الرياضة الوطنية وإعمال مبدأ المحاسبة داخل الجامعات الرياضية”.
“رؤية إصلاحية شاملة”
وحسبما أقرّته أرضية الفعالية، فالقطاع الرياضي بالمغرب يواجه “اختلالات بنيوية تعيق تطوره، أبرزها ضعف نسبة الممارسين (لا يتجاوز، حسب بعض الدراسات المنجزة، عدد المسجلين في النوادي الرياضية مليون شخص)، مما يكشف عن فجوة كبيرة بين الخطط التنموية والواقع الفعلي للممارسة الرياضية. كما أن حضور الرياضة في النظام التعليمي لا يزال هامشيًا، حيث تفتقر المدارس والجامعات إلى برامج رياضية متكاملة تتيح للطلبة ممارسة النشاط البدني بانتظام، وهو ما ينعكس سلبا على اكتشاف المواهب وصقلها”.

كما تم التنبيه إلى “معاناة البنيات التحتية من نقائص واضحة، سواء من حيث الكمّ أو الجودة، كما أن التأطير الرياضي يظل دون المستوى المطلوب، مما يؤثر على تكوين الأجيال الصاعدة ويدفع العديد من المواهب إلى البحث عن فرص خارج البلاد”.

وبخصوص مشاركة المرأة المغربية في الرياضة، تبقى محدودة للغاية، سواء على مستوى الممارسة أو المهن الرياضية، حيث تواجه النساء عوائق اجتماعية وثقافية تحول دون اندماجهن الفعال في هذا المجال.

كما رصد المنتدى “غياب تمويل مستدام للقطاع كأبرز العوائق أمام تطوره، باعتماد الرياضة في المغرب بشكل أساسي على الإعانات الحكومية، في حين يمكن اشراك الجماعات الترابية والقطاع الخاص قصد تعبئة موارد مالية جديدة لدعم القطاع (مثل فرض ضرائب على المشروبات السكرية أو النقل السمعي البصري) ، بما يضمن استدامة التمويل ويخلق بيئة أكثر استقرارًا لتطوير الرياضة الوطنية”.

ويرى حزب جبهة القوى الديمقراطية أن “معالجة الاختلالات السالفة تتطلب رؤية إصلاحية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع هذه الجوانب، بهدف وضع الرياضة في صلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.