مراسلون 24 – متابعة
كتب” أنوار مزروب” باحث في القانون العام الدولي و عضو اللجنة السياسية لجبهة العمل الأمازيغي، مقالا ،جاءفيه ؛؛يجمع الفاعلون بمختلف مشاربهم،سواء المؤسساتيون منهم أو المدنيون، المحليون أو الدوليون(الاتحاد الأوروبي،صندوق النقد،البنك الدولي،الخ)على أهمية تلافي عائق الهندسات الحكومية الحالية أمام كل طموح تنموي أو برامج تطمح للنجاعة و دخول معترك التصنيف بناء على مؤشرات الأثر على البيئة المستهدفة في مختلف مجالات السياسات العمومية.
لقد جرب التاريخ السياسي الراهن المغربي خلال العشرية الأخيرة ًً موضا ًً اختزال الحقائب الوزارية في مجرد تجميع مفاهيم و مجالات ليست بالضرورة متجانسة،حيث أبان الحاملون لتلك الحقائب في عدة مناسبات عن عدم إلمام و فهم لتلك المفاهيم منفردة، فبالأحرى إن ضرب بعضها ببعض في إطار حقيبة وزارية أو قطاع مركب حتى من أربع واوات العطف والمجالات. و هكذا ولدت من رحم موضا القاموس السياسي الحكومي حقيبة سميت بوزارة العلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني، لم يحافظ لها التاريخ السياسي المغربي بأكثر من تنظيم بضع دورات لجائزة سميت قسرا جائزة المجتمع المدني، فيما حقيقتها المؤلمة المغربية جدا-و على غرار معظم الجوائز العامة للأمانة- أنها مناسبة لمجاملة مناضلات و مناضلي الحزب المشرف على الاحتفالية بشيكات من المال العام ،و خلقت وزارة منتدبة مكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج،تحول أداءها الى مجرد واجهة لمحاربة البطالة في أوساط شبيبة المنتدب و المنتدبة و التسابق مع الوزارة الغير منتدبة على فتح أظرفة دعوات للسفريات و حضور التظاهرات و المعارض الدولية لأعضاء الديوان الغير ديبلوماسي المنشأ و التكوين و الكفاءة ، و تابع الرأي العام الوطني كيف أجهز وزير على ما تبقى من بدعة وزارية سميت وزارة “الثقافة و الإتصال ثم الشباب و الرياضة و الثقافة”, فانقلبت وعود “ترييض الثقافة و تثقيف الشباب”عبثا و إرجاعا لمؤسسات القطاع الى عهود اللا-ثقافة و ممارسات العهد القديم و الشوكة،حيث صار أمر العبث بمسؤولية الآمر بالصرف و كراسي مؤسسات وطنية أمرا سهلا و في متناول حتى موجزين في الأدب العربي،لا بل متاحا أيضا لمساخيط الدولة و الحكومة،و صارت مع هذا الوضع الشاد مهمة الاتصال العمومي مجرد امتياز لتلميع صورة وزير فاشل و لاغتصاب ما تبقى من شرف مهنة الصحافي،الذي حول بكسر الواو لمجرد ملحق علاقات عامة بمحلات و مواسم الوزير،بعيدا كل البعد عن الروح الرقابي للسلطة الرابعة.كما تابعنا كيف أن وزارة منتدبة مكلفة بالتعليم العالي لم تقدم للبلد أكثر من تسابق على فتح أظرفة الدعوات للسفريات و تركت الاورام و الأزمات الوجودية للتعليم العالي كالفساد و ضعف التأطير و ضعف الحكامة بالجامعة و الزبونية و الرشوة مقابل التسجيل تنتعش و تتجدر أكثر، فصارت النقابة الحزبية مؤثرة في القرار الحكومي بالقطاع أكثر من برنامج و تصور الوزير و الحكومة التي بوأها النظام الدستوري مكانة السلطة التنفيدية المسلحة بالإرادة الأحادية و المفرطة .
فكيف يمكن لهندسة حكومة الرئيس المكلف عزيز أخنوش أن تستجيب لاستحقاقات النجاعة التدبيرية كما وجه الى ذلك خطاب العرش لسنة 2019؟
لمواجهة إشكال ضعف فعالية و التقائية الفعل الحكومي،يتعين على الفاعل المؤسساتي استيعاب أهمية استحضار كل هندسة حكومية للمفهوم المركزي المعروف في مجال التدبير العام “بالهرم المقلوب “، الذي يعني باختصار إخراج الفعل العمومي من ثنائية الإدارة الحاكمة/المواطن المحكوم صاحب طلبات، لتدخل لإطار ارتفاقي مؤطر بأخلاقيات المرفق العام و النجاعة و الأداء المبني على مؤشرات الأثر و الرضى المواطن.هذا الإطار الذي يجد امتداداته في الطموحات الدستورية الساعية لتكريس توجهات الحكامة الرشيدة و الاصلاح الإداري و الحكومة المفتوحة. و كذا في المقتضيات ذات الصلة بالتنصيص على لزوم عمل أشخاص القانون العام و مؤسسات الدولة على ضمان ولوجية فعلية و متساوية للحقوق الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و البيئية من طرف المواطنات و المواطنين .
بناء على ما سبق، من الأهمية بما كان أن يستحضر القائمون على الهندسة الحكومية الجاري وضعها،استحضار مبادئ مؤطرة سأقتبس لها مفهوما من عالم اليقظة الإستراتجية، و يتعلق الأمر بما يسمى العوامل الحاسمة للنجاح لذلك الهيكل الحكومي، و التي أجملها في أربعة مبادئ أساسية :
أولا :استعجالية القطع مع المونتاج و التركيب العشوائي في اختيار نوموكلاتورا الحقائب الوزارية : على هذا المستوى، تتبع الفاعل المؤسساتي و المواطن كيف اضطرب تسيير عدة مؤسسات في الولايتين السابقتين بسبب اللا- تنسيق و الإهمال و عدم تمكن الوزراء من ضمان تدبير عدة مؤسسات وضعت رهينة تحت سلطتهم، بحيث أعطى الأمر إنطباعا بوصول الفاعل الحكومي لما يشبه إجهادا منظوميا وصل لحد إقدام رئيس الحكومة على التوقيع على مراسيم تعيين مديرين لم يشاركوا في مقابلات الوزراء المفوضين مثلا.
ثانيا: الحرص على العودة للتصنيفات النظامية المتعارف عليها في العلوم السياسية و التدبير العام، و التي لا تتجاوز عموما 15 قطاعا رئيسيا ، مع هامش صغير يتاح فيها لقطاعات ذات أولوية التي تخلق لها قطاعات من منظور إرادة الدول النهوض بها و تطويرها،كوزارة مكلفة بالأمازيغية و للانتقال الرقمي و البيئة و النزاهة و محاربة الفساد بالنسبة لحكومة ببرنامج كبرنامج حزب التجمع الوطني للأحرار.
ثالثا: القطع مع المقاربة الريعية في توزيع الحقائب على القطاعات الإجتماعية : إن المتتبع لحصيلة التدبير المزدوج للقطاعات، عن طريق وزير و وزير منتدب يتأكد مجددا من أن التصور اليعقوبي للسلطة القائل بأن “السلطة غير قابلة للتجزيئ “يتأكد مجددا ،حيث أن الوزارات المنتدبة خاصة في القطاعات الإجتماعية هي مسؤولة أيضا عن إشكالية ضعف التنسيق و الالتقائية و تفشي الزبونية في المرفق الحكومي، و هو ما يجعل من تجاوز هذه المقاربة المبنية على التدبير برأسين أمرا ملحا لتطوير الاداء الحكومي.
رابعا : يبدو من الواجب الوطني وضع حد لاستنزاف المال العام من مراكز المدراء المركزيين بالهياكل التنظيمية للقطاعات الوزارية، و التي تحولت الى مراكز بطالة مؤدى لها بتعويضات جزافية غير مستحقة و سكن وظيفي و سيارات، حيث نجد منها مدير الرقمي خلقت لمهامه مؤسسة ضخمة و لم يلغى منصبه في الهيكل التنظيمي الوزاري القطاعي المعني، و ترك صنبور ًمدير العلاقات العامة ً في قطاع الاتصال، رغم الغاء القطاع برمته و خلق مؤسسة وطنية للصحافة و ناطق باسم الحكومة خارج الهيكلة الادارية، و ترك مدير مركزي مكلف بالجالية بالخارجية رغم أن وزارة منتدبة صنعت بشارع فرنسا و تلتهم ملايين الدراهم من المال العام شهريا.كما تركت مديريات للصناعة التقليدية في وزارة السياحة رغم أن الصناعة التقليدية باتت قطاعا وزاريا قائم الذات، و أريد لمديريات المقاولات الصغيرة و المتوسطة أن تعيش بالوزارة الأم لردح من الزمن رغم خلق مؤسسة بعدة طوابق سميت الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى و المتوسطة.
على المستوى الوظيفي،ضمانا لأحسن انعكاس للإرادة الشعبية في الحكومة المقبلة،يمكن القول أنه انطلاقا من القطاعات ذات الأولوية في المرجعية التعاقدية للحزب المكلف بتشكيل الحكومة، يمكن تكثيف الهندسة الحكومية في ثلاثة أقطاب محورية:
*قطب وزارات السيادة
*قطب القطاعات الإجتماعية
*قطب الحكامة العامة.
هذه الهندسة الفوق- قطاعية يمكن أن تترجم قطاعيا من خلال الهيكل الوظيفي القطاعي التالي :
-1-وزارة تكنولوجيا الاعلام و الاتصال و الإنتقال الرقمي،ناطقة باسم الحكومة : هذه الحقيبة ستساعد على جمع كل مؤسسات التكوين في مجال تكنولوجيا المعلومات، كما سيسهل مهمة وضع سياسة عمومية رقمية مستقبلا.
-2-وزارة الطاقة و المعادن و البيئة و النجاعة الطاقية،
-3-وزارة المالية و المقاولات العمومية،
-4-وزارة الصناعة و التجارة و الشؤون الاقتصادية و الشغل،
-5-وزارة التربية و الشباب و الرياضة و المجتمع المدني،
-6-وزارة الشؤون الاجتماعية .
-7-وزارة الوظيفة العمومية و الإصلاح الإداري،
-8-الامانة العامة للحكومة مكلفة بالتنسيق الحكومي،
-9-وزارة التجهيز و النقل والتنمية اللوجستيكية و الاسكان و التعمير،
-10-وزارة تأهيل العالم القروي و التنمية الجهوية،
-11- وزارة التعليم العالي و البحث العلمي ؛
-12-وزارة الداخلية،
-13-وزارة الاوقاف و الشؤون الإسلامية،
-14- وزارة الشؤون الخارجية و التعاون الدولي،
-15-وزارة الصحة و الحماية الإجتماعية : هذا القطاع يمكن أن يعزز وظيفيا باختصاصات و موارد مؤسسة الإحتياط الإجتماعي –أكابس- و وكالة التأمين الصحي –أنام-، من خلال تحويل اختصاصات الأولى لمفتشية عامة للحكامة الصحية بموارد هامة كفيلة بمواكبة الورش الملكي المهيكل للتغطية الصحية، وذلك من خلال تعزيز أليات الرقابة على متعهدي الخدمة العامة الصحية .