مراسلون 24
في حلقة جديدة من مسلسل التوتر المزمن بين الجزائر وباريس، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، اليوم السبت، استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر، احتجاجًا على اعتقال أحد موظفيها القنصليين في باريس، على خلفية ملف يرتبط بما يُعرف إعلاميًا بـ”أمير دي زاد”، الاسم المستعار للمعارض الجزائري المقيم في فرنسا، والمعروف بمواقفه الحادة تجاه نظام الحكم في الجزائر.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيان رسمي إن الأمين العام للوزارة، لوناس مقرمان، استقبل السفير الفرنسي وبلغه احتجاجًا شديد اللهجة على ما وصفه بـ”الخرق الصارخ للامتيازات الدبلوماسية”، في إشارة إلى توقيف الموظف القنصلي الجزائري دون إشعار مسبق، ووضعه رهن الحبس المؤقت بتهم تتعلق بـ”الضلوع في عملية اختطاف” للمعارض أمير بوخورص سنة 2024.
ورفضت الجزائر بشكل قاطع، شكلًا ومضمونًا، الاتهامات التي وجهها الادعاء العام الفرنسي المختص بقضايا الإرهاب، معتبرة أن “الحجج الأمنية التي قدمتها السلطات الفرنسية خلال جلسات الاستماع واهية وغير مقنعة”، بحسب تعبير البيان.
وتطالب الجزائر بالإفراج الفوري عن موظفها القنصلي، ملوحة بتصعيد دبلوماسي محتمل، حيث أورد البيان أن “هذا التطور المؤسف وغير المبرر سيقوّض العلاقات الثنائية، ويعكس وجود أطراف فرنسية لا تشاطر الرغبة السياسية في تطبيع العلاقات بين البلدين”.
ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس للغاية تشهد فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية فتورًا ملحوظًا، منذ اعتراف باريس الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه، وهو القرار الذي أثار حنق الجزائر ودفعها إلى تعليق التعاون القنصلي مع عدد من المحافظات الفرنسية، ورفض استقبال بعض المرحلين من المهاجرين غير النظاميين.
وتُشير قراءة المشهد إلى أن الاعتقال لم يكن حدثًا معزولًا بقدر ما هو تعبير عن انفجار مكتوم بين أجهزة الأمن والقضاء في البلدين، خاصة في ظل تصاعد الضغوط القضائية والإعلامية في فرنسا بشأن النفوذ الجزائري على أراضيها، وتمويل شبكات ضغط وتحريض إلكترونية.
أما قضية “أمير دي زاد”، فهي ليست سوى رأس جبل الجليد في ملف واسع يتقاطع فيه الأمن بالسياسة والدبلوماسية، وسط تسريبات تتحدث عن محاولات اختراق لأراضي فرنسية من قبل أجهزة تابعة للنظام الجزائري تحت غطاء دبلوماسي، ما دفع سلطات باريس إلى الحزم هذه المرة، رغم التكلفة الدبلوماسية.
البيان الجزائري، الذي ختم بعبارة مشحونة: “الجزائر لن تترك هذا الوضع دون تبعات”، يكشف عن اتجاه رسمي نحو التصعيد لا التهدئة، ويؤكد أن القطيعة السياسية مع فرنسا لم تعد مجرد احتمال، بل مسار فعلي يتعمق مع كل أزمة جديدة.
وفي خضم هذه التطورات، يبقى السؤال المطروح: هل تتجه العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مزيد من التصعيد قد يشمل طرد دبلوماسيين أو تعليق رسمي للعلاقات، أم أن باريس ستستمر في تحجيم نفوذ “الكابرانات” دون كسر قواعد اللعبة بالكامل؟