مراسلون 24 – ع. عسول
بمناسبة الذكرى العشرينية لتأسيس جمعية سلا المستقبل ،نظمت هذه الأخيرة بدعم من المجلس الوطني لحقوق الانسان، ندوة حول موضوع ” الحق في الذاكرة بين التنظير والتفعيل” ،بالمركب الثقافي سعيد حجي بسلا السبت الماضي.
الندوة استهلت بكلمة لرئيسها المؤسس ذ.اسماعيل العلوي الذي أشار أنه في مثل هذا اليوم الذي تنعقد فيه الندوة ( 11 يناير ) قبل 81 سنة، تقدم العديد من المناضلين والوطنيين على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال ،في مبادرة لإسترجاع حرية الوطن ، كما تشكل الذكرى محطة أيضا للترحم على شهداء معركة التحرير الذين سقطوا بساحة الشهداء بسلا ..مسجلا أن ندوة اليوم مناسبة للحديث عن ذاكرة تهم فترة عصيبة مر منها شباب سلا والتي تم تجميعها من قبل الجمعية في جزأي كتاب بعنوان “ذاكرة سلا والتاريخ الراهن.. رؤى مقاطعة” بدعم من المجلس الوطني لحقوق الانسان.
من جهته وبعد تقديمه كلمة مقتضبة باسم المجلس الوطني لحقوق الانسان، تطرق امبارك بودرقة المعارض اليساري السابق (تطرق) في مساهمة له بعنوان “الفاعل السياسي والحقوقي ومسؤولية حفظ الذاكرة” ، إلى تجربة هيأة الإنصاف والمصالحة وظروف وإكراهات اشتغالها ، مشددا على ماواجهته الهيأة من نذرة في الوثائق التي تهم الذاكرة التاريخية خصوصا في فترة سنوات الرصاص والانتهاكات الجسيمة ، مذكرا بالاسترشاد بعدد من تجارب العدالة الانتقالية والمصالحة وجبر الضرر، مؤكدا على دعم جلالة محمد السادس الحاسم لإنجاح تجربة الانصاف والمصالحة المغربية ، إضافة لاسهام المجتمع المدني والحقوقي وضحايا الانتهاكات . كما استعرض المتحدث لمحة عن كتابه حول حفظ الذاكرة التاريخية “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة، من مذكرات امبارك بودرقة المعروف باسم (عباس)”.
د.مصطفى المنوزي ( منسق منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية) أبرز في مداخلة له أهمية الوقوف على تجربة المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف ، التي دعا لإعادة قراءتها وتسليط الضوء على توصياتها وتفعيلها ، مشددا على ضرورة كتابة وتوثيق الذاكرة وتنطيقها وتعريفها للجيل الحالي والآتي لمعرفة ما جرى وحتى لا تتكرر التجاوزات التي حصلت، متوقفا على أهم قضايا ومنهجية اشتغال “منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية”، مقترحا حفظ الذاكرة من خلال وضع خريطة للمواقع التي شهدت تجاوزات حقوقية جسيمة بالمغرب…
أما الأستاذ جامع بيضا المدير السابق لمؤسسة أرشيف المغرب ، فقدم مداخلة أكاديمية بنيت على ثلاث محاور رئيسية” الذاكرة ، التاريخ، الأرشيف” .مستهلا مساهمته بإزالة اللبس بين مصطلحي ومفهومي ” التاريخ والذاكرة “، حيث يعتبر التاريخ مقاربة أكاديمية علمية أكثر شمولا تشمل الماضي والراهن،أما الذاكرة فتكون فردية أو جماعية، تروم استعادة شذرات من الماضي القريب أو البعيد بمقاربة ذاتية وانتقائية وعاطفية، يتحكم فيها الانتماء الهوياتي المذهبي وسياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية،وذلك لحاجة يمليها الحاضر ،وكثيرا ما يتم توظيفها للتأثير على عموم الناس وتعبئتهم لأغراض معينة وتصبح بدورها مادة للبحث لذا تخصصات عديدة ومؤرخين.
أما تفعيل الحق في الذاكرة حسب ذ.بيضا ، فله شروط ، أهمها جمع مختلف الأرشيفات العامة والخاصة وتوثيق الشهادات دون انتقاء ، العمل على الإعتراف الرسمي بما وقع من انتهاكات جسيمة في أزمنة معنية ،مع إصدار قوانين مواكبة لذلك ، حيث ساهمت توصيات هيأة الإنصاف في حالة المغرب بإصدار القانون المنظم للأرشيف ومؤسسة الأرشيف و الإحتفاء باليوم الوطني الأرشيف والتحسيس بأهميته، مؤكدا على أهمية إحداث مؤسسات حفظ الذاكرة والنصب التذكارية واهتمام الأعمال الفنية والمؤسسات التربوية للوصول للمصالحة وبناء العدالة الانتقالية.
في ذات السياق أكدت أرضية الندوة ، أنها تندرج ضمن زخم الشراكة الوثيقة التي تجمع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجمعية سلا المستقبل، في سعيهما الدؤوب لتأصيل نقاش تعددي وشفاف، لتعميم الوعي بتيمة وقيمة الحق في الذاكرة، وللتمكين من آليات المرافعة المدنية الهادفة من أجل إدراج حاضرة سلا، بتاريخية نضالها من أجل الحرية والديموقراطية، ضمن أماكن الذاكرة الجديرة بالحفظ والاعتراف ، باعتبار هذين الهدفين أحد المداخل الحقوقية والقيمية الأساسية لتفعيل ورش حفظ الذاكرة والتاريخ، المنبثق عن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والممتد في فعاليات تأسيس مركز حفظ ذاكرة سلا.
حيث تأتي الندوة إسهاما من جمعية سلا المستقبل في تقريب الجمهور الواسع من حيثيات وسياقات وحوافز اختيار الموضوع ، في تقاطعاتها مع تراكمات البحث العلمي في مجال الذاكرة، و تحديد مجالات اشتغالها واستعمالها وتمفصلات علاقتها بالتاريخ.
ويجدر التنويه أولا حسب الأرضية ، إلى أن اشتقاق وانبثاق مفهوم الحق في الذاكرة، كحق ينتمي إلى الجيل الثالث من حقوق الإنسان، يرتبط بأدبيات تفعيل مبادئ العدالة الانتقالية، كصيرورة انتقال وتطور ديموقراطي، في استحضارها للذاكرة، كمجال مفتوح لإعادة القراءة المشتركة لتوترات ومظالم وانتهاكات الماضي، وإيجاد لغة مشتركة لتعريفه، وتثبيت معرفة موثقة بحقائقه المخفية والمنسية، وإيجاد صيغ وآليات مناسبة لحفظ معالمه وشواهده و أماكنه من الطمس والضياع.