أهمية وضرورة النقد الفلسفي الموجه للذات الفردية والجماعية بالمنطقة الاسلامية

العلمي الحروني – ناشط حقوقي يساري

في سياق الدفاع الفلسفي الفكري عن القضية الفلسطينية، كما في سياقات أخرى ذات الأبعاد التنموية والإجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، تبرز ضرورة وملحاحية النقد الذاتي في حدوده الدنيا على الأقل، أقصد بالذات أهمية النقد الفلسفي الموجه للذات الفردية والجماعية الداخلية بالمنطقة العربية والمغاربية والاسلامية عموما. إن النقد الذاتي الموجه لـ “الداخل” (أنظمة سياسية ومجتمعات) “من الداخل” ( من المفكرين والفلاسفة خاصة بالمنطقة) أكثر أهميةً ومشروعية وقيمة وتأثيرا لكونه يوفر، لأصاحبه، المصداقية ويساعد على إقناع الآخر “في الخارج” في أي حوار أو انتقاد.

وقيمة النقد الذاتي أكبر وأعمق وأبلغ مما يتمتع بها النقد الذي يوجهه الآخر للأطراف المتصارعة. على سبيل التوضيح نشير إلى النقد الذي يوجهه الفلاسفة الغربيون إلى الغرب أو الفلسفة الغربية، أو النقد الذي يوجهه (الفلاسفة) اليهود إلى إسرائيل وإلى احتلالها وجرائمها وإباداته.

من بين التوترات المعرفية التي تضمنها “بيان الفلاسفة العرب” تأتي الدعوة الموجهة إلى كل “المفكرين والفلاسفة في كل أنحاء العالم إلى الانضمام إلى صوت الفلاسفة العرب” بالرغم من ريادة وسبق مبادرات فلاسفة غربيين وغيرهم، في الوقت الذي كان حريا بهم الإلتحاق بسابقيهم من الفلاسفة الذين قاموا بمبادرات قبل أن يفكر العرب في الأمر. لتجاوز حالة الانقسام المصطنعة التي يريد كثيرون فرضها واستغلالها بين الشرق والغرب، بين الـ” نحن” والـ”هُم”.
إن استخدام أسلوب منطقي وعقلاني رصين و مناقشة الحجة بالججة هو السبيل الفعال لإقناع الفلاسفة الغربيين بعدالة القضية الفلسطينية. بالإرتكاز على محاور من قبيل الحقائق التاريخية، والمبادئ الإنسانية، والقيم التي يتبناها فلاسفة الغرب وغيرهم هو السبيل لإقناعهم بعدالة القضية الفلسطينية. فبالتركيز على هذه المحاور وغيرها، يمكن بناء حوار قائم على أسس أخلاقية وفلسفية تتماشى مع القيم الغربية لتعزيز فهمهم لعدالة القضية الفلسطينية. لأجل ذلك، يمكن الإشارة والاستفاضة في حجج من قبيل:
 الارتكاز على القيم العالمية المشتركة بربط القضية الفلسطينية بالمبادئ التي يؤمن بها الفلاسفة الغربيون، مثل الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان مع تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين من خلال انتهاكات حقوق الإنسان والتمييز العنصري الذي يتعرضون له.
 توظيف الفلسفة الأخلاقية بالاستشهاد بمبادئ الفلاسفة الذين دافعوا عن العدالة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، مثل إيمانويل كانط (مبدأ الكرامة الإنسانية) أو جون رولز (نظرية العدالة) والتأكيد على حق الفلسطينيين في تقرير المصير بوصفه مطلبا أخلاقيا يتماشى مع القيم الديمقراطية.

 استخدام الحقائق التاريخية وشرح الأبعاد التاريخية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بطريقة موضوعية تُظهر الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين، بدءًا من نكبة 1948 وحتى يومنا هذا، وتوضيح كيف تم تجاهل حقوق الفلسطينيين في القرارات الدولية ضدا على الممارسات الاستعمارية الاسرائيلية.
 تسليط الضوء على ازدواجية المعايير والإشارة إلى تناقض الفلاسفة أو الغرب عموماً في دعمهم لقضايا الحرية والعدالة في مناطق أخرى، بينما يغضّون الطرف عن معاناة الفلسطينيين، وإثارة تساؤلات حول المعايير الأخلاقية التي يُستخدم فيها الكيل بمكيالين.

 تقديم أمثلة من الفلاسفة الغربيين المؤيدين للقضية الفلسطينية والاستشهاد بمواقف فلاسفة مثل نعوم تشومسكي وإدوارد سعيد وغيرهم، الذين انتقدوا سياسات الاحتلال الإسرائيلي بشدة ودافعوا عن حقوق الفلسطينيين، مثل هذا يبين أن تأييد القضية الفلسطينية ليس بالضرورة معادياً للغرب، بل يتماشى مع المبادئ الإنسانية.

 مناقشة الطبيعة الكولونيالية للاحتلال وتوضيح أن الاحتلال الإسرائيلي هو امتداد للسياسات الاستعمارية التي كانت الفلسفة الغربية الحديثة تنتقدها، وربط القضية الفلسطينية بحركات التحرر العالمية، مما يجعلها جزءاً من نضال عالمي ضد الظلم. والتأكيد على الحوار البنّاء واللاعنف وعرض القضية الفلسطينية على أنها حركة مقاومة شرعية وسلمية ضد الاحتلال، بعيداً عن الصور النمطية المرتبطة بالعنف مع إبراز الجهود الفلسطينية الداعية للحلول العادلة وفق القانون الدولي.

 الاعتماد على الأدب والفن الفلسطيني تقديم أدبيات فلسطينية لإيصال معاناة الشعب الفلسطيني بطرق إنسانية تصل إلى عقول وقلوب الفلاسفة (مثل أعمال محمود درويش أو غسان كنفاني أو ناجي العلي وغيرهم).