اعتذار.. لمؤسسة النقيب
ذ محمد الهيني
عندما غادرت مُكرهاً كرسي القضاء، بسبب تواطؤ السياسي والقانوني، أحسست بأنني فقدت مناط وجودي، كإنسان مجبول على الدفاع عن مواقفه واختياراته أيا كان الخصم وأيًا كان الحكم.
ولما احتضنتني مهنة النبلاء، وقديما قيل المحاماة هي موطن النبلاء، أحسست بأنني استعدت عِلّة وجودي، مع هامش أوسع من الحرية في التعبير، وفضاء أرحب للانتصار للمواقف التي اعتبرها تنسجم مع قناعاتي ومبادئي.
وكان لي ما كان، شرف ارتداء بذلة الدفاع، وفخر زمالة النبلاء، وحبور مجالسة النقباء الذين لم ينفكوا ولم يستنكفوا عن تقديم الدعم اللازم لكل حامل لهذه الرسالة من زميلاتنا وزملائنا، وإشباعنا من منهل الأخلاقيات ومعين الأعراف المهنية النبيلة.
وكثيرا ما سمعت، وأنا في القضاء وفي المحاماة، بأن الدفاع لا يّقتنى بثمن، ولا يعوّض بأجر، ولا يُشترى براتب، فالدفاع أسمى من أن يكون سلعة وأقدس من أن يكون بضاعة. لذلك توافق النقباء وأشراف المهنة على تسمية عائدات المحامي بالأتعاب وليس شيئا آخر.
لكن إحباطي كان عارما وأنا أرى من يسيء لشرف المهنة وحظوة المؤسسة. فلم يكن سهلا علي أن أشاهد من هو محسوب عليها سابقا يظهر في فيديو مع موكلته والناس تقذفه بوصم أنه “يتلقى أتعابه بشكل عيني من جسد الموكلات” في تقويض وهدم لكل الشيم والمناقب المهنية النبيلة.
ولم يكن من الممكن أن لا يتفاعل كل ذي مروءة مع مثل هذه السلوكيات المسيئة للمؤسسة من كان يحمل صفتها سابقا . فمن المخجل أن ترى جسدا منسوبا للمهنة يتقاسمه رواد الشبكات التواصلية عاريا! ومن المؤسف أن يتشارك مستعملو تطبيق الواتساب تسجيلات لكلام بذيء منسوب لحامل لصفة المؤسسة سابق ووزير أسبق.
والأكثر أسفا أن هذا الذي يذكرنا بولاية المحامي، المحددة في المادة 30 من قانون مهنة النبلاء، هو نفسه أول من يقحم السياسة في القانون، ويمزج قضاياه العائلية مع رسالة المحاماة، بل هو من يحاول قطع شعرة معاوية بين القضاء وجناحه الوارف الظلال المتمثل في الدفاع.
ومن ينعتنا اليوم بخدمة الدولة أو مؤسسة أمنية، ربما نسي أنه كان ابن الدار وسليل الدولة ومدافعها، قبل أن يرتد ويصبأ بالمخزن بعدما نضب الصبيب. وهل الانسجام والتوافق مع قضايا البلد المصيرية، والانتصار لمصالحه العليا في محطات المحن الدبلوماسية، هو خيانة وتهمة تزدري صاحبها؟ رغم انني اعتبر ذلك شرف لا ادعيه .
لقد آن لي أن اعتذر لمؤسسة النقيب نيابة عمن يمتهنها (من المهانة وليس المهنة)، ومن جعلها تُذكر أحيانًا وهي مقرونة بكلام فاحش وموغل في الشعبوية مثل “الخاصرة التي تزن طنا ونصف” و”الزنطيط العابر للحدود الوطنية” و” نشفيني أوهيبة”. وعزائي هنا أن الأمر هو مجرد استثناء شاذ، ولحسن الحظ أن الاستثناء لا يقبل التوسع ولا القياس.
فليس هناك ما يحز في نفسي أكثر من أن أرى “قداسة المهنة” و”هيبة المؤسسة ” تدوسها الأقلام والألسن بسبب تصرفاته المنسوبة له ومنها تهمة تهريب الشاهدات وإخفاء المطالبات بالحق المدني وتهجير الموكلات والمنقولات بطريقة غير شرعية خارج أرض الوطن
وأكثر ما يستفزني هو أن يصير صاحبنا من ذوي السوابق التأديبية، وأن تصبح أفعاله وأقواله تحت مجهر النيابة العامة وغرفة المشورة، والحال أن حامل مشعل الرسالة ماضيا وحاضرا ومستقبلا ينبغي أن يكون هو المدرسة والملهم والأب كما ألفنا ذلك قبل أن ينبلج هذا الاستثناء.
في الحقيقة، كنت دائما أتشرف بنيل حظي من النصيحة من الزملاء والسادة النقباء، فالإنسان مهما اجتهد لا يدرك الكمال، لكن ها أنذا اليوم أتلقى اللوم والعتاب ممن انتفض ضده بالأمس معتقلو الحسيمة ورفضوا مؤازرته، ومن تم توقيفه مؤقتا بمقرر قضائي. وهذا لا يضرني في شيء بقدر ما يؤكد لي بأنني أسير في عكس مساره. وبالضرورة فإنني في المسلك الصحيح، لأنني ببساطة لا أنفرد بموكلة ولا أهرب شاهدة ولا اي محظور ولا أتلفظ بساقط الكلام وفحشه،لدرجة اننا قد نفاجئ يوما لا قدر الله ولا نتمنى ذلك لغيرتنا الشديدة على المهنة بمشروع او مقترح قانون بسببه يسقط الصفة عمن اساء للمؤسسة لعدم جدارته بالاستمرار في حمل نبلها ورسالتها، لانه لم يسبق لأي نقابة بالمغرب وطول تاريخه ان وقعت بيان إدانة غير ادانته
وإذا كان لا بد من هذا الجواب، تعقيبا على رسالته واتهاماته الموغلة في التخوين، فلا يسعني في هذا المقام إلا أن أعتذر لمؤسسة النقيب ولكل الأشراف الذين تعاقبوا عليها، مبتهلا إلى العلي القدير، ببركات قداسة مهنة النبلاء، أن يحسن الله خاتمتنا، وأن لا نكون محط سخرية الناس في آخر عمرنا بسبب أعراض السن وتكاليف الدهر،ورحم الله من عرف قدره وشرف مهنته .